في مواجهة تحديات بيئية متصاعدة، يقف الأردن والدول العربية أمام واقع مناخي جديد ومقلق. التغيرات المناخية لم تعد مجرد توقعات، بل أصبحت واقعاً يومياً يلقي بظلاله الثقيلة على قطاعات حيوية، وفي مقدمتها المياه والزراعة، مما يستدعي استراتيجيات عاجلة لتعزيز الأمن المائي والحد من المخاطر.
عام قياسي من الحرارة والجفاف
كشفت بيانات المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن العام الماضي كان الأشد قسوة في سجلات الأردن المناخية، حيث شهدت المملكة موجات حر وجفاف غير مسبوقة، تخللتها فترات من الهطول المطري الغزير والعواصف المتطرفة، مما ضاعف من حدة المخاطر الطبيعية.
أبرز ما جاء في التقرير الأممي:
- حرارة غير مسبوقة: صُنف العام الماضي كثالث أكثر الأعوام حرارة في تاريخ الأردن، بارتفاع قدره 1.08 درجة مئوية عن المعدل المناخي للفترة (1991-2020).
- شذوذ حراري: سجلت المنطقة العربية عموماً ارتفاعاً في متوسط درجات الحرارة بلغ 1.08 درجة مئوية، بينما شهد الأردن شذوذاً حرارياً تراوح بين 1.4 و1.6 درجة مئوية.
- تحديات مركبة: تتقاطع هذه التغيرات مع ضغوط اجتماعية واقتصادية مثل النمو السكاني السريع والتوسع العمراني، مما يزيد من هشاشة البنية التحتية.
التكلفة الاقتصادية والإنذار المبكر
في تصريحات خاصة، أكدت كارول شوشاني، مديرة مجموعة تغيّر المناخ في “الإسكوا”، أن التقديرات الحالية للكلفة الاقتصادية للكوارث المناخية في المنطقة العربية، بما فيها الأردن، لا تزال أقل من الواقع الفعلي. وأشارت إلى أن الفيضانات تتصدر قائمة الكوارث الأكثر تكراراً، مشددة على أهمية أنظمة الإنذار المبكر التي لا تغطي سوى 59% من الدول العربية حتى أوائل عام 2024.
استراتيجيات الأردن للأمن المائي
استجابة لهذا الواقع، اتخذ الأردن خطوات ملموسة لتعزيز أمنه المائي:
- مشاريع المعالجة: تنفيذ مشاريع لمعالجة مياه الصرف الصحي في “الغباوي” و”السمرا” بطاقة استيعابية تبلغ 8.2 مليون و300 مليون متر مكعب سنوياً على التوالي.
- الناقل الوطني: مشروع استراتيجي يهدف لنقل 300 مليون متر مكعب من المياه سنوياً من العقبة إلى محافظات الوسط والشمال.
- تحذيرات مستقبلية: تشير التوقعات المناخية إلى أن موجات الحر ستصبح أكثر تكراراً، وبحلول منتصف القرن، قد يعيش الأردن شهراً ونصف سنوياً تحت درجات حرارة تتجاوز 40 مئوية.
الحلول التمويلية والتحول الأخضر
لمواجهة هذه التحديات، أطلق البنك المركزي الأردني مؤخراً “التصنيف الوطني الأخضر”، بهدف تسهيل الوصول إلى التمويل للمشاريع الصديقة للبيئة. وتعمل “الإسكوا” بالتعاون مع الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي على وضع إرشادات لتصنيف التمويل المناخي في المنطقة، لحشد الموارد اللازمة لتحقيق الأهداف المناخية.
رؤية إقليمية: شح المياه وتطرف الطقس
من جانبه، أوضح د. هشام عبد الغني، الممثل الإقليمي للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، أن 15 دولة عربية، وعلى رأسها الأردن، تعاني من شح مائي حاد. وأشار إلى تباين الظواهر المناخية في المنطقة:
- الجفاف: ضرب بشدة مناطق غرب شمال أفريقيا.
- الفيضانات: اجتاحت شرق المنطقة العربية (الإمارات والسعودية).
- الخسائر البشرية: أثرت هذه الظواهر على حياة 4 ملايين شخص وأودت بحياة 300 شخص في المنطقة العام الماضي.
وأكد عبد الغني أن تسارع الاحترار في الأردن والمنطقة بلغ ضعف المتوسط العالمي خلال العقود الأخيرة، داعياً إلى تبني حلول مبتكرة مثل الزراعة الذكية مناخياً واستخدام المصادر المائية غير التقليدية للتكيف مع هذا الواقع الجديد الذي “فاق كل التوقعات”.
