لم يعد الابتكار والإبداع رفاهية فكرية في الأردن، بل ضرورة علمية واستراتيجية في ظل تعقيد الأزمات البيئية والمناخية، وتراجع الموارد الطبيعية. فالاعتماد على المعرفة والبحث العلمي يمثل اليوم مخرجًا حيويًا لإيجاد حلول واقعية ومستدامة.
ورغم أن مسار الابتكار البيئي في المملكة لا يزال في بداياته، إلا أن الوعي بأهميته في تصاعد مستمر، مع تجارب محلية واعدة. غير أن الاستدامة والفاعلية تتطلب إعداد جيل متمكن من العلوم والقدرات التطبيقية، ضمن بيئة تعليمية مرنة تربط النظرية بالتطبيق العملي، وتدعم مشاريع ذات أثر بيئي ملموس.
التحديات البيئية: حاجة إلى حلول غير تقليدية
الأمير الحسن بن طلال شدد على أن الابتكار ليس ترفًا، بل أداة علمية جوهرية. هذا ما أكده كذلك د. مشهور الرفاعي، أمين عام المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا، موضحًا أن الأردن يواجه تحديات فعلية في مجالات المياه، الطاقة، الأمن الغذائي، إدارة النفايات، والبيئة الحضرية، وهي مشكلات لا يمكن تجاوزها بالأساليب التقليدية وحدها.
وأوضح أن الابتكار البيئي يفتح الباب لتطوير حلول محلية تستند إلى المعرفة وسياق الواقع الأردني، عوضًا عن نماذج أجنبية غير ملائمة.
أمثلة قطاعية على الابتكار:
المياه:
معالجة المياه الرمادية وتحليتها بطرق موفرة للطاقة.
تطوير تطبيقات ذكية لترشيد الاستهلاك في المنازل والمزارع.
الطاقة:
تحسين كفاءة الطاقة من خلال التخزين الذكي للطاقة الشمسية.
تكامل الأنظمة مع شبكات مراقبة الاستهلاك وتقليل الفاقد.
الزراعة:
الزراعة الدقيقة والرأسية لزيادة الإنتاج مع تقليل الأثر البيئي.
نظم ذكية لحصاد مياه الأمطار واستخدام التكنولوجيا الحيوية لإنتاج محاصيل مقاومة للجفاف.
المباني والبيئة الحضرية:
تصميم مساكن منخفضة الكلفة وموفرة للطاقة في المناطق الحارة.
إدارة النفايات:
تحويل النفايات العضوية إلى طاقة وسماد باستخدام تقنيات محلية.
ترتيب الأردن عالميًا ومواطن القوة والقصور
أشار الرفاعي إلى أن الأردن يحتل موقعًا متوسطًا عالميًا في مؤشر الابتكار، مع نقاط قوة في جودة التعليم العالي وتخصصات العلوم والهندسة، غير أن التحديات ما زالت قائمة في مجالات مثل:
تدني الإنفاق على البحث والتطوير.
انخفاض عدد براءات الاختراع.
محدودية استثمار القطاع الخاص في التكنولوجيا.
وأكد أن نقل صندوق دعم البحث العلمي والابتكار إلى المجلس الأعلى سيتيح إعادة توجيه الموارد نحو أولويات وطنية، ويدعم الأبحاث التطبيقية ويمول الباحثين خارج الجامعات.
مؤسسات وطنية لتعزيز الابتكار البيئي
المركز الوطني للإبداع يعمل على بناء قاعدة بيانات شاملة لمؤشرات الابتكار، تدعم السياسات وتحسّن بيئة العمل البحثي.
صندوق دعم البحث العلمي والتطوير في الصناعة يموّل مشاريع صناعية تقلل الأثر البيئي وتزيد من كفاءة الإنتاج.
صندوق “نافس” لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة يوفر دعمًا خاصًا للمشاريع البيئية الناشئة.
رؤية الأمير الحسن: المعرفة شرط للكرامة والسيادة
رؤية الأمير الحسن تؤكد أن التحديات البيئية تتجاوز الجانب التقني، وتمس قضايا الحوكمة والعدالة والموارد المشتركة. ومنطلقات هذه الرؤية تم ترجمتها عبر:
تأسيس المجلس الأعلى كجهة وطنية للعلوم والتكنولوجيا.
إطلاق المركز الوطني للإبداع.
الدعوة لتأسيس هيئة إقليمية لحماية بيئة البحر الأحمر.
التعليم والابتكار: العلاقة العضوية
بيّن الرفاعي أن إعداد جيل مبدع لا يتم فقط عبر المناهج، بل من خلال:
ربط الجامعات بالمؤسسات الحكومية والشركات.
دعم مشاريع التخرج البيئية والابتكارية.
توفير برامج إرشاد تجمع الخبراء بالخريجين.
احتضان المبادرات الشبابية في المركز الوطني للإبداع.
الذكاء الاصطناعي والبيئة: تكنولوجيا لحلول دقيقة
أشار الرفاعي إلى أن الوصول إلى التكنولوجيا البيئية المتقدمة يتطلب:
بناء القدرات في الحوسبة والذكاء الاصطناعي.
توفير بيئة تجريبية محفزة على تحويل المعرفة إلى أدوات عملية.
أمثلة تطبيقية:
النمذجة الرقمية لحساب المياه الجوفية.
تطوير أنظمة إنذار مبكر للتصحر.
مراقبة جودة الهواء والمياه في الوقت الحقيقي.
الآثار الإيجابية المتوقعة على الأردن
من بين الفوائد الرئيسية لتعزيز الابتكار:
تحسين كفاءة استخدام الموارد.
تقليل الاستيراد في مجالي الغذاء والطاقة.
خلق فرص عمل خضراء.
تحسين ترتيب الأردن في مؤشرات التنافسية.
دور القطاع الخاص: شراكة في التصميم والتنفيذ
لا يقتصر دور القطاع الخاص على التمويل، بل يمتد إلى:
تطوير منتجات وخدمات صديقة للبيئة.
الاستثمار المشترك مع الجامعات.
تبني أنظمة الإدارة البيئية.
دعم المشاريع الناشئة عبر الحاضنات والمسرّعات.
التعاون الإقليمي والدولي: شرط لمواجهة التحديات العابرة للحدود
أكد الرفاعي أن التحديات البيئية مثل التغير المناخي وتدهور الأراضي لا يمكن مواجهتها منفردًا، بل بر:
تبادل البيانات البيئية المفتوحة.
إنشاء مشاريع بحثية إقليمية مشتركة.
تنظيم برامج تدريب عبر الحدود.
وأوضح أن المجلس الأعلى يشارك في مبادرات كـ”بريما” و”الاتحاد من أجل المتوسط”، ويسعى لتوسيع هذا التعاون إقليميًا.