خلافاً للاعتقاد السائد بأن تراجع القدرات العقلية ومشاكل الذاكرة هي أمراض ترتبط حصراً بالشيخوخة أو التقدم في العمر لبلوغ الستينيات والسبعينيات، كشف العلم عن حقائق مغايرة. فقد أوضح البروفيسور فيكتور فاس، الخبير العالمي ذائع الصيت في مجال أمراض الشيخوخة، أن هذه العملية تبدأ في مرحلة عمرية أبكر بكثير مما نتخيل.
وأكد فاس في طرحه العلمي أن “التدهور المعرفي يتراكم ببطء على مدى سنوات، ويبدأ في سن مبكرة، في الثلاثينات أو الأربعينات”، مشدداً على ضرورة التعامل مع هذا التدهور ومعالجته في مهده قبل استفحاله. واستناداً إلى تقارير طبية نشرتها صحيفة “تايمز أوف إنديا”، حدد البروفيسور مجموعة من الاستراتيجيات الوقائية الحاسمة للحفاظ على صحة الدماغ.
أهمية النوم لتنظيف الدماغ
يُعد النوم الجيد حجر الزاوية في الصحة العقلية، حيث يحتاج الدماغ إلى ما يتراوح بين 7 إلى 9 ساعات من الراحة ليلياً ليتمكن من صيانة نفسه. فخلال ساعات النوم، يقوم الدماغ بعملية تنظيف ذاتية للتخلص من بروتينات ضارة تُعرف بـ “بيتا-أميلويد”، وهي المركبات التي يرتبط تراكمها بتطور مرض ألزهايمر. وتؤدي قلة النوم، أو حتى الإفراط فيه، إلى تراجع في الأداء الإدراكي، وانخفاض في كثافة المادة الرمادية، مما يسبب ضعفاً في الذاكرة والوظائف التنفيذية والتركيز.
النشاط البدني وتغذية العقل
لا يقتصر تأثير الرياضة على العضلات فحسب، بل يمتد ليشمل صحة الدماغ بشكل مباشر. وينصح الخبراء بممارسة المشي أو تمارين الكارديو لمدة 30 دقيقة يومياً بنسق معتدل الشدة يسمح بإجراء محادثة أثناء الحركة. هذا النشاط يعزز الدورة الدموية وإمدادات الأكسجين للدماغ، مما يحفز إفراز بروتين (BDNF) المسؤول عن نمو الخلايا العصبية وتحسين الذاكرة، ويقلل بالتالي من احتمالية الإصابة بالخرف على المدى الطويل.
ومن الناحية الغذائية، يتطلب الدماغ “وقوداً” محدداً لأداء وظائفه؛ إذ يعتمد على حمض الدوكوساهيكسانويك (DHA) لبناء بنيته وتنظيم الحالة المزاجية، ويحتاج إلى فيتامين B12 لحماية الجهاز العصبي. كما يلعب “الكولين” دوراً محورياً في إنتاج الناقل العصبي “أستيل كولين” الضروري للذاكرة، بينما يضمن المغنيسيوم مرونة المشابك العصبية وكفاءة العمليات الإدراكية.
استقرار السكر والتحفيز الذهني
تتأثر صحة الدماغ بشكل كبير بعمليات الأيض، حيث يعمل العقل بكفاءة أكبر عندما تكون مستويات السكر في الدم مستقرة. وتشير الدراسات إلى أن التقلبات غير المستقرة أو الارتفاع في مستويات الغلوكوز قد تؤدي إلى ضمور في مناطق حيوية مثل “الحصين”، مما يضعف الذاكرة وسرعة المعالجة الذهنية.
وختاماً، يبقى الدماغ في حالة نشاط وحيوية من خلال “الجدة” والتفاعل الاجتماعي. فالمشاركة في تجارب تعليمية جديدة وأنشطة حل المشكلات تُنشط مراكز الانتباه، وتعزز المرونة الذهنية. وقد أثبتت الأبحاث أن الأشخاص الذين يواصلون التعلم وينخرطون في أنشطة اجتماعية متنوعة يحافظون على أداء إدراكي متفوق وقدرات ذاكرة أقوى مقارنة بغيرهم.
