في ظل تصدر قطاع التعليم قائمة الأسئلة النيابية بنسبة 14% حسب تقرير “راصد” التابع لمركز الحياة، تثير النسبة تساؤلات حول دلالاتها، وما يجب على وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي القيام به لمواكبة هذا الاهتمام الرقابي وتحويله إلى سياسات وإجراءات عملية؟
وأفاد خبراء في التربية بأن تخصيص 14% من الأسئلة النيابية للوزارة يعكس دلالات حاسمة على صعيد الاهتمام البرلماني والمجتمعي بالقطاع، ولحجمه الهائل وما يواجهه من تحديات في السياسات والتنفيذ، خاصة فيما يتعلق بالرضا العام وأداء الوزارة من حيث الشفافية والتواصل، مما يبرز المطالبة المستمرة برفع جودة التعليم، كما أوضحت جريدة “الغد”.
وأصدر “راصد” مؤخرًا الجزء التحليلي من تقريره حول أداء النواب، الذي يركز على الأسئلة النيابية والمداخلات والمذكرات، كاستكمال لتقريره السنوي بشأن أداء مجلس النواب العشرين في عامه الأول.
التعليم يتصدر أسئلة النواب
كشف التقرير أن أعضاء المجلس طرحوا 1,125 سؤالًا نيابيًا، شارك فيها 78% من الأعضاء، مما يعكس توسعًا في دائرة المشاركة الرقابية مقارنة بالبرلمانات السابقة. واعتمد “راصد” منهجية جديدة لتصنيف الأسئلة حسب القطاعات، حيث جاء التعليم في الصدارة بنسبة 14%، تلاه العمل والتشغيل بنسبة 8%، والصحة 7.8%، والخدمات والتنمية المحلية 6.5%، والأداء الحكومي العام 5.8%، والنقل 5.5%، والطاقة والثروة المعدنية 5.3%، والمائي 4.5%، والسياحة 3.6%، والزراعي 3.5%، والعلاقات الخارجية 3.3%، وتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد 2.9%، وتعزيز الاستثمار 2.6%، وحقوق الإنسان 0.5%.
وأظهر التحليل أن أعلى 20 نائبًا في الأسئلة “النوعية” و”المتقدمة” ساهموا بـ61% من إجمالي هذين النوعين، الذي بلغ 768 سؤالًا.
الارتقاء بجودة التعليم وعدالته
أوضح وزير التربية والتعليم الأسبق الدكتور تيسير النعيمي أن تخصيص 14% من الأسئلة لقطاع “التربية” يحمل دلالات على الاهتمام النيابي والمجتمعي بالقطاع، ولحجمه الكبير وتحدياته في السياسات والإجراءات، خاصة في الرضا العام وأداء الوزارة من حيث الشفافية والتواصل، مع التنويه بأن ذلك لا يعني بالضرورة نوعية الأسئلة.
ويمكن تفسير النسبة على مستويين: الأول يتعلق بدلالاتها من حيث أهمية التعليم في الأجندة الوطنية، إذ تُظْهِرُ النسبة المتوقعة أن التعليم أحد أكثر القطاعات متابعة برلمانيًا، نظرًا لدوره المحوري في خطة التحديث الاقتصادي، خاصة في رفع جودة التعليم وعدالته، لتأثيره المباشر على التنمية البشرية والاقتصاد.
أما الثاني فيشير إلى وجود قضايا أو اختلالات في الأداء أو السياسات، مما يجعل النسبة تعكس مشكلات متكررة أو ضعف في التواصل أو عدم رضا عن الخدمات أو السياسات، أو تغييرات مفاجئة، أو حساسية القضايا للرأي العام، إذ يمس التعليم الأسر مباشرة، فالنواب يستجيبون لمطالب المواطنين، مما يعني ضغطًا مجتمعيًا مستمرًا على الوزارة.
ويشير ذلك إلى ضعف الشفافية أو التواصل المسبق مع المجلس، إذ قد يعكس ارتفاع النسبة عدم تقديم الوزارة معلومات كافية استباقيًا أو رسائل توضيحية للسياسات، مما يدفع النواب لاستخدام الرقابة النيابية.
أما المستوى الثاني فيتعلق بما يجب على الوزارة فعله لمواكبة الاهتمام الرقابي وتحويله إلى سياسات، لتقليل نسبة الأسئلة، من خلال تعزيز الشفافية والإفصاح الدوري، وتحسين التواصل الإعلامي، وبناء قنوات اتصال مؤسسية مع المجلس عبر تفعيل قسم الشؤون البرلمانية، والإعلام بالوزارة لتمهيد السياسات، وتقديم إجابات بناءة بناءً على رصد ملاحظات المجتمع، وصياغة بيانات صحفية وردود إعلامية حول القضايا المثيرة، لتجنب الأسئلة اللاحقة، ورفع جودة التعليم.
وأكد النعيمي أن كلما عالجت الوزارة التحديات ذات الأولوية مثل جودة التعليم وعدالته، انخفضت دوافع النواب لطرح الأسئلة.
تطوير أنظمة التقييم بالوزارة
أبرز النعيمي أهمية إشراك النواب في التخطيط وصنع القرار عبر لقاءات تشاورية دورية مع لجنة التربية والتعليم لشرح الخطط والاستماع للملاحظات قبل التطبيق، وتعزيز الحوكمة والرقابة الداخلية بتطوير أنظمة المتابعة والتقييم لتصحيح الأخطاء بسرعة ومنع تراكم القضايا.
من جانبه، أفاد الخبير التربوي الدكتور محمد أبو غزلة بأن تصدر التعليم للقطاعات بنسبة 14% يؤكد إدراكًا متناميًا بأهميته لدى النواب ذوي الخلفيات التعليمية أو المهتمين بقضايا الوطن، مما يعكس قناعة بأن التعليم محرك الاقتصاد والتنمية والاستقرار المجتمعي.
وأضاف أبو غزلة أن النسبة تدل على حجم التحديات، وتعكس المطالبة المجتمعية برفع الجودة وتحسين النتائج وضمان فرص تعليمية عادلة، مما يدعو الوزارة لتطوير السياسات وتحديد الأولويات، ومعالجة أسباب التراجع في الجودة، ونقص الكوادر، وتحسين أساليب التدريس، والتعاون مع المركز الوطني للمناهج لربطها بالحياة الواقعية واحتياجات الطلبة والمجتمع، وتوفير بيئة مدرسية محفزة.
وأكد أبو غزلة أهمية تدريب وتأهيل المعلم كحجر الزاوية في العملية التعليمية، وتمكينه مهنيًا وأكاديميًا، خاصة في المهارات التكنولوجية، ومهننة التعليم عبر تفعيل الرخصة المهنية للداخلين والعاملين، مع اختبارات سنوية للتجديد لتركيز المهنة على الأداء لا الروتين.
وأوضح أن على الوزارة والمديريات والمدارس والمعلمين التركيز على تطوير التعليم وتعزيز جودته، ومنظومة الحوكمة والمساءلة، مع وضع مؤشرات أداء دقيقة للإدارات والمشرفين والقيادات المدرسية والمعلمين، ومحاسبة التقصير، وتوظيفها لإصلاح يوجه الجهود والموارد إلى الأولويات.
وأكد أبو غزلة أن ذلك يتطلب ترسيخ ثقافة المساءلة والتقييم، وتنفيذ نتائج تقارير وحدة المساءلة التعليمية، وإشراك القيادات التربوية والمدارس والمعلمين والطلبة وأولياء الأمور والمجتمع المحلي في الحوار، وصنع القرار لتطوير المخرجات، والتعاون مع المؤسسات العامة والخاصة والمجتمع المدني لوضع خطة شاملة لإصلاح حقيقي.
أكثر القطاعات حيوية وتأثيرًا
من جانبه، أفاد الخبير التربوي عايش النوايسة بأن حصول التعليم على 14% من الأسئلة يعود إلى حيويته وتأثيره في الحياة اليومية، إذ يشمل أكثر من 1.5 مليون طالب ويؤثر على 5 ملايين مواطن من أولياء الأمور والمعلمين والعاملين، مما يجعله محور التنمية الاجتماعية والاقتصادية ومدخلًا للسياسات الوطنية.
واعتبر النوايسة أن هذا الحضور يفسر الرقابة النيابية المكثفة، إذ يطرح النواب أسئلة تعكس مطالب المواطنين اليومية حول مشكلات المعلمين أو احتياجات الطلبة والأسر، خاصة مع خلفيات تربوية لدى كثير من النواب كمعلمين أو إداريين، مما يعزز ارتباطهم بقضايا القطاع.
وأشار إلى أن الاهتمام يأتي مع تحولات جوهرية مثل دمج الوزارتين وتطوير المناهج وجودة التعليم واختبار الثانوية، مما يستدعي مواكبة الرقابة بتواصل مؤسسي عبر تقارير دورية ومؤشرات أداء قابلة للقياس، لتطوير المتابعة والتقييم، وتفاعل الوزارة مع الأسئلة بشفافية وتحويل الملاحظات إلى مدخلات للقرار، تنعكس في الخطط الاستراتيجية.
وتابع أنه ضروري توسيع النشر الاستباقي للبيانات التعليمية لتقليص فجوات الفهم وتكرار الأسئلة، وتبني نهج علمي في رسم السياسات قائمًا على الأدلة لا ردود الأفعال، مع إطار متكامل لقياس الأداء بمؤشرات كمية ونوعية مرتبطة بقيم وأهداف واضحة، لتسهيل متابعة الإنجاز، واستفادة من تقارير وحدة الجودة والمساءلة كمرجع للشفافية والحوكمة.
