من غير الممكن أن يراقب رئيس الوزراء بنفسه كل تفاصيل عمل الدولة بشكل يومي. فمن الصعب أن يتفقد المدارس والمستشفيات والمراكز الصحية، أو يطّلع على أوضاع الوزارات والسجون والمطارات والطرق والمشاريع الحكومية جميعها. وإن أتيح له أن يزور مدرسة ويوجّه بطلاء جدارها، فإن آلاف المدارس الأخرى ستظل بعيدة عن نظره، وكذلك الحال مع بقية المؤسسات المنتشرة في مختلف أنحاء المملكة.
الرئيس ليس بحاجة إلى إعادة اكتشاف الأردن أو البحث عن مواطن الخلل في الإدارة العامة، فالجميع يدرك حجم التراجع الذي يعيشه الجهاز الإداري، وما يتطلبه من حلول مبتكرة وعاجلة.
فالدولة الأردنية تستقبل يومياً مئات الآلاف من المواطنين في مؤسساتها الخدمية، وتدير أعمالها عبر جيش من الموظفين المنتشرين في الوزارات والدوائر. ففي المستشفيات الكبرى مثل المدينة الطبية ومستشفى البشير، تشهد الممرات زحاماً دائماً يعكس ثقل المسؤولية الوطنية. أما في وزارة التربية والتعليم ومديرياتها، فيبدو المشهد واضحاً من خلال طوابير السيارات والحشود المتدفقة باستمرار.
وليس خافياً أن وزارات العمل والزراعة ومؤسسة الإقراض الزراعي ودائرة الأراضي ومديريات السير تشهد ازدحاماً مماثلاً، فيما تشكّل مؤسسة المتقاعدين العسكريين نموذجاً آخر لما يحمله المواطنون من مطالب وأحلام تتكدّس أمام مكاتب الدولة.
وفي ظل هذه الحركة اليومية التي لا تهدأ، لا يمكن لرئيس الوزراء أن يلتقي بكل مواطن أو يتفقد كل معاملة، إذ تُنجز آلاف القرارات والإجراءات يومياً عبر تواقيع رسمية وتدخلات من النواب والسياسيين لضمان سير الملفات. وهنا تظل جولات الرئيس ذات طابع بروتوكولي، هدفها الرئيس توجيه رسالة باهتمام الحكومة بتطوير مستوى الخدمات.
لكن المطلوب عملياً هو أن تُدار الدولة وفق رؤية شاملة تراعي العدالة والمساواة وحماية الحقوق، وتواكب التطورات العالمية. والأولوية الحقيقية تكمن في الإصلاح الإداري وتمكين الكفاءات الوطنية من القيادة بعيداً عن لعبة تدوير النخب التي تفرضها المحسوبيات والواسطات، والتي تُبقي على مواطن القصور في الإدارات وتؤدي إلى مزيد من التراجع.
الإدارة العامة لا تتغير إن استمر العمل بالأساليب القديمة، والانشغال بالظواهر بدلاً من معالجة أصل الخلل. وحتى يحصل المواطن على حقوقه بسهولة، لا بد من إقامة نظام عدالة إداري متكامل يبدأ من تحفيز الموظف وتأهيله وضمان حقوقه في الترقية والراتب والمكافآت، مع محاسبة المقصرين.
وعندما تُصلَح الإدارات، ويتوقف الظلم الوظيفي، وتُقدَّم المصلحة العامة على المصالح الفردية، عندها فقط يمكن أن نحقق جهازاً إدارياً عادلاً يوفّر خدمات نوعية لجميع المواطنين، ويؤسس لمستقبل أفضل للأجيال القادمة.