بقلم: أ.د. محمد تركي بني سلامة
في لحظة مفصلية تجسّد وعي الدولة الأردنية بأهمية العلم في بناء المستقبل، نظم المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا فعالية علمية مميزة برعاية صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال، وحضور سمو الأميرة سمية بنت الحسن، بمشاركة نخبة من الأكاديميين والباحثين وصنّاع القرار.
الفعالية لم تكن تقليدية، بل شكلت إعلانًا رسميًا عن بداية مرحلة جديدة تنطلق من إيمان عميق بأن العلم هو حجر الأساس للسيادة الوطنية، وليس ترفًا يمكن الاستغناء عنه.
الأمير الحسن: المعرفة ركيزة الأمن القومي
في كلمته الملهمة، أكد سمو الأمير الحسن أن:
“الدول التي تستثمر في البحث العلمي لا تكتفي باللحاق بالركب بل تقوده”
ودعا إلى سن قانون يحمي البحث العلمي من التهميش ويعززه كعنصر أساسي من عناصر الأمن القومي والتنمية المستدامة. وشدد سموه على أن المعرفة حق لكل مواطن، وليست امتيازًا للنخبة، بل وسيلة لتمكين الإنسان وبناء وطن مزدهر.
دمج استراتيجي يقود ثورة بيضاء في البحث العلمي
من أبرز ما تم الإعلان عنه في الفعالية، قرار دمج صندوق دعم البحث العلمي والابتكار بالمجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا، في خطوة استراتيجية تهدف إلى إعادة هيكلة التمويل والإدارة البحثية. واعتُبرت هذه الخطوة تمهيدًا لانطلاقة ثورة بيضاء يقودها المجلس الأعلى، تحت إشراف أمينه العام الأستاذ الدكتور مشهور الرفاعي، أحد أبرز رموز التعليم العالي والإدارة الرشيدة في الأردن.
د. مشهور الرفاعي: قائد مؤسسي لرؤية علمية وطنية
منذ بداياته الأكاديمية في قسم الرياضيات، وصولًا إلى رئاسة جامعة الأميرة سمية للتكنولوجيا لدورتين، أثبت الدكتور الرفاعي أنه قائد يمتلك رؤية استراتيجية وتنفيذًا فعّالًا. واليوم، وهو يقود المجلس الأعلى، يعمل على ربط البحث العلمي باقتصاد المعرفة، وتوجيهه نحو قطاعات الإنتاج والطاقة والزراعة والمياه، ضمن أولويات وطنية واضحة.
في كلمته خلال الفعالية، أكد الدكتور الرفاعي أن المرحلة القادمة ستشهد تحولًا نوعيًا في البيئة البحثية الأردنية، من خلال تنسيق الجهود المؤسسية وتوجيه الموارد بما يعزز الابتكار والإنتاج العلمي.
التحدي العربي: فجوة معرفية تستدعي التحرك
يُشار إلى أن العالم العربي يعاني من ضعف حاد في الإنتاج البحثي، حيث لا تتجاوز مساهمته 1.1% من الناتج العلمي العالمي، ولا تتعدى نسبة الإنفاق على البحث العلمي 0.8% من الناتج القومي، مقارنةً بـ 4–6% في الدول المتقدمة.
هذه الأرقام تسلّط الضوء على اتساع الفجوة العلمية وضرورة اتخاذ قرارات استراتيجية تضع العقل والبحث والمعرفة في صدارة الأولويات.
“أولويات البحث العلمي للعقد القادم”: مشروع وطني حقيقي
يُعد المشروع الذي ينفذه المجلس حاليًا بعنوان “أولويات البحث العلمي للعقد القادم”، خطوة منهجية تهدف إلى تخطيط علمي قائم على احتياجات المجتمع الأردني، وتوجيه التمويل نحو قطاعات حيوية تحقق أثرًا ملموسًا واستدامة معرفية.
الختام: الأردن ينهض بالعلم وعقول أبنائه
ما جرى في هذه الفعالية لم يكن مجرد إعلان عن مشروع، بل كان إطلاقًا لنهضة علمية وطنية يقودها الأمير الحسن بن طلال وينفذها د. مشهور الرفاعي وفريقه، في مشهد يعيد الاعتبار للعقل الأردني، ويُجسد إيمانًا بأن المعرفة هي طريق السيادة والنهضة.
فليكن للعلم أن ينتصر،
وللأردن أن يسمو بعقول أبنائه.