مع حلول ذكرى اليوم العالمي لحقوق الإنسان، تتجدد الدعوات المحلية والدولية للتأكيد على ضرورة تجاوز الجانب النظري لهذه الحقوق، وضمان تفعيلها وحمايتها على أرض الواقع، لتكون ممارسات يومية ملموسة بدلاً من مجرد نصوص قانونية جامدة.
ويشدد خبراء وقانونيون على أن المنظومة التشريعية، المتمثلة في الدستور الأردني والمواثيق الدولية، توفر حماية وطنية وعالمية لهذه الحقوق. إلا أن الفاعلية الحقيقية لهذه النصوص تكمن في مدى وعي المجتمع ومؤسساته الأكاديمية والمهنية بها، وقدرتهم على تحويلها إلى سلوكيات تعزز كرامة الفرد في حياته اليومية.
دور الجامعات في التأسيس الثقافي
يرى المختصون أن المؤسسات التعليمية، وعلى رأسها الجامعات، تتحمل مسؤولية كبرى في ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان. يتم ذلك عبر تزويد الطلبة بالمعرفة القانونية اللازمة وربط النظرية بالتطبيق من خلال أنشطة تثقيفية، لتصبح هذه الحقوق جزءاً لا يتجزأ من السلوك المجتمعي. كما أوضحوا أن حقوق الإنسان ليست ترفاً نخبوياً أو حالة ظرفية، بل هي ركيزة أساسية تمس حياة الفرد مباشرة، وتشمل طيفاً واسعاً من الحقوق:
- الحقوق المدنية والسياسية.
- الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
- الحقوق الثقافية والبيئية.
- الحق في الحصول على المعلومات.
وفي هذا الصدد، قال أستاذ القانون الإداري في الجامعات الأردنية الدكتور حمدي القبيلات، “إن حقوق الإنسان تحظى بحماية وطنية ودولية تكفل احترامها من قبل السلطات العامة وتضمن ممارستها من قبل الأفراد”، مؤكدا أن هذه الحماية تتجلى في مواثيق دولية وفي تشريعات وطنية على رأسها الدستور الذي يعد المرجعية الأساسية التي تلزم السلطات العامة باحترام حقوق الإنسان بكافة صورها وأشكالها.
وأضاف القبيلات، “إن الجامعات بوصفها مؤسسات أكاديمية محورية يقع على عاتقها دور مهم في بلورة مفاهيم حقوق الإنسان وممارستها بشكل حي وفاعل”، مبينا أن ذلك يكون من خلال تزويد الطلبة بمعارف متكاملة حول هذه الحقوق وضماناتها، سواء عبر مواد دراسية تطرح كمتطلبات جامعة لجميع الطلبة، مثل مادة حقوق الإنسان أو من خلال فاعليات تثقيفية وتنويرية تعنى بتوعية الطلبة بشكل خاص والمجتمع المحلي بشكل عام ويتم تنفيذها بإشراف أساتذة وخبراء مختصين في هذا المجال.
كما أشار إلى أهمية أن تكون الجامعات شريكا فعليا وحقيقيا للأفراد ومؤسسات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق الإنسان من خلال تقديم الخبرات الأكاديمية والمعارف النظرية التي تسهم في تطوير عمل هذه المؤسسات وتعزيز جهودها في نشر وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان في المجتمع.
ترابط الحقوق في ظل الأزمات الراهنة
من جانبه، تناول مدير إدارة الحقوق المدنية والسياسية في المركز الوطني لحقوق الإنسان، المحامي عيسى المرازيق، دلالات الاحتفال بهذه المناسبة في الوقت الراهن، حيث قال “إن شعار هذا العام يأتي متصلا بالسياقات الدولية والإقليمية الراهنة وما يشهده العالم من أزمات اقتصادية وظروف معيشية صعبة تؤثر في حقوق الإنسان الأساسية”.
وأكد المرازيق أن ترابط الحقوق المدنية والسياسية مع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بات أكثر وضوحا ولا يمكن الحديث عن أي منها بمعزل عن الآخر، خاصة في ظل التحديات التي تهدد كرامة الإنسان حول العالم، مبينا أن تراجع الحق في الغذاء والسكن والحماية الاجتماعية والصحة والتعليم وغيرها من الحقوق المرتبطة مباشرة بحياة الإنسان اليومية، يبرز أهمية الشعار المطروح هذا العام.
وأضاف، “إن التوعية والتثقيف والتدريب في مجال حقوق الإنسان تمثل ركيزة أساسية في تعزيز الحماية الوقائية لهذه الحقوق”، مؤكدا أن الفرد لا يستطيع الدفاع عن حقوقه دون معرفتها والإلمام بآليات حمايتها. وأكد أن نشر الوعي المجتمعي يشكل مدخلا رئيسا لبناء مجتمع يحترم حقوق الإنسان ويعي قيمتها ودورها في تعزيز كرامة الإنسان ورفاهيته.
الحقوق البيئية والوعي القانوني
بدورها، ركزت المحامية تغريد الدغمي على الجوانب البيئية والقانونية، حيث أوضحت “أن الحقوق البيئية والعيش في بيئة آمنة ونظيفة يعد أمرا أساسيا لجميع حقوق الإنسان وأن البيئة ليست ملكا للأجيال الحالية فحسب، بل هي حق مستدام للأجيال القادمة”، مشيرة الى أن التلوث يؤثر مباشرة على حق الإنسان في الصحة والحياة والغذاء والمياه وينعكس على باقي الحقوق الأساسية.
وقالت الدغمي، “إن قلة المعرفة القانونية وعدم لجوء الأشخاص الى الإستشارات المتخصصة لفهم حقوقهم القانونية قد يؤدي إلى ارتكاب مخالفات أو تحمل مسؤوليات قانونية دون معرفة مسبقة”.
وأكدت الدغمي أن المجتمع المحلي يمكنه تعزيز ثقافة حقوق الإنسان من خلال المعرفة والوعي والمشاركة الفاعلة في المبادرات والعمل التطوعي وتعزيز ثقافة التضامن عند تعرض حقوق أحدهم للانتهاك، لضمان بناء مجتمع متماسك وعادل يحمي حقوق الجميع ويعزز سيادة القانون.
يُذكر أن العالم يحتفي سنوياً بيوم حقوق الإنسان في 10 كانون الأول/ديسمبر، تخليداً لذكرى اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1948 لـ “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”، الوثيقة التاريخية التي أرست الحقوق غير القابلة للتصرف لكل إنسان.
