في تقليد سنوي يترقبه عالم التصميم والموضة، أزاح معهد الألوان الأمريكي “بانتون” الستار عن لونه المختار لعام 2026، والذي حمل اسماً شاعرياً هو “راقص السحاب” (Cloud Dancer). ويحمل هذا اللون، المعروف تقنياً بالكود (PANTONE 11-4201)، دلالات عميقة تتجاوز كونه مجرد صبغة؛ إذ يميل إلى الأبيض المحايد ليرمز بشكل مباشر إلى البدايات الجديدة والفرص التي لم تُكتب بعد.
فلسفة الوضوح والراحة النفسية
وعن الأسباب الكامنة خلف هذا الاختيار، أوضحت المديرة التنفيذية للمعهد، ليتريس إيسمان، أن “راقص السحاب” يمثل رمزاً للقماش النظيف أو الصفحة البيضاء التي تفتح آفاقاً رحبة للإبداع. وأكدت أن هذا الظل يجسد مفهوم الوضوح الضروري في عالم يعج بالمشتتات، داعياً إلى تبني فكرة التبسيط والتخلص من الزوائد لتعزيز التركيز. ومن جانبها، عززت نائبة رئيس المعهد، لوري بريسمان، هذا الطرح بالإشارة إلى أن اللون الجديد ينقل إحساساً عميقاً بالبساطة والراحة النفسية، مانحاً الناس فرصة لالتقاط الأنفاس، والتراجع خطوة إلى الوراء للتفكير بذهنية صافية.
ويربط الخبراء هذا التوجه نحو اللون الأبيض الهادئ بالتحولات العالمية المتسارعة ما بعد جائحة كوفيد-19؛ حيث فرض العمل عن بُعد، والضجيج الرقمي، وهيمنة التكنولوجيا حالة من البحث عن الذات ومحاولة إعادة ترتيب أولويات المستقبل. وفي هذا السياق، يأتي “راقص السحاب” ليكون بمثابة استراحة بصرية ورمزاً لبداية نقية خالية من التشويش.
البعد العلمي للون الأبيض
ومن منظور علمي فيزيائي، قدم سيرغي خارينتسيف، رئيس قسم البصريات والنانوفوتونيات في معهد الفيزياء بجامعة قازان الفيدرالية، تفسيرًا لطبيعة هذا اللون. حيث أوضح أن الضوء الأبيض يوصف بدرجة حرارة اللون بمقياس “كلفن”، والتي تتوافق مع طيف إشعاع الجسم الأسود المطلق عند درجة حرارة محددة. وفي حالة “راقص السحاب”، يكون طيف المصدر قريباً جداً من ضوء الشمس النهاري الطبيعي، دون أي انحراف ملحوظ نحو الظلال الدافئة أو الباردة. وتتركز ذروة الطيف، كما هو الحال في الشمس، في المنطقة الخضراء-الصفراء، مما يجعل العين البشرية تدركه وتستقبله كلون أبيض طبيعي ومريح.
يُذكر أن معهد بانتون يختار لون العام بانتظام منذ عام 2000، ليعكس المزاج العام والتوجهات العالمية. ويأتي “راقص السحاب” خلفاً لألوان سابقة حملت دلالات مختلفة، مثل لون عام 2025 “موكا موس” (Mocha Mousse)، ولون عام 2024 “زغب الخوخ” (Peach Fuzz).
