يشير تراكم الدهون في منطقة البطن – أو ما يُعرف بـ”الكرش” – غالبًا إلى نمط حياة غير صحي، يتضمن نظامًا غذائيًا فقيرًا بالحركة. لكن المشكلة لا تتوقف عند الشكل الخارجي، إذ تكشف الدراسات أن الدهون الحشوية تشكل خطرًا خفيًا يهدد وظائف الجسم الحيوية من الداخل.
ما هي الدهون الحشوية؟
الدهون الحشوية هي تلك الطبقات العميقة التي تحيط بالأعضاء الداخلية كالكبد والقلب، وتختلف عن الدهون السطحية تحت الجلد. وتتصرف الدهون الحشوية كغدة صماء نشطة، تفرز مركبات كيميائية وهرمونات تسبب التهابات مزمنة ترتبط بأمراض مثل:
السكري من النوع الثاني
أمراض القلب والأوعية الدموية
الاضطرابات العصبية
التأثيرات النفسية والدماغية
في دراسة تابعت أكثر من 7000 شخص، وجد باحثون صينيون أن الأشخاص الذين لديهم خصر أعرض – بناءً على مؤشر “استدارة الجسم” – كانوا أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بنسبة 40%.
السبب؟ الخلايا الدهنية تنتج جذورًا حرّة تؤكسد السيروتونين – هرمون السعادة – وتحوله إلى مركبات غير فعالة، ما يؤثر سلبًا على المزاج.
وفي دراسة أخرى شملت 10 آلاف بالغ، كشفت فحوصات الرنين المغناطيسي أن تراكم الدهون في البطن يرتبط بانكماش مناطق الدماغ المسؤولة عن الذاكرة واتخاذ القرار.
ويُعزى ذلك إلى تسرب مواد التهابية مثل السيتوكينات إلى الدماغ عبر الحاجز الدموي الدماغي، مما يزيد من خطر الضعف الإدراكي والخرف.
البصر والسمع… أيضًا في خطر
تشير أبحاث طبية إلى أن الدهون الحشوية تؤثر سلبًا على:
العين: ترفع من خطر الإصابة بـالتنكس البقعي المرتبط بالعمر (AMD)، السبب الرئيسي للعمى بين كبار السن، من خلال تسريع تلف خلايا الشبكية.
الأذن: تؤدي الالتهابات الناتجة عن الدهون إلى تضيق الشعيرات الدموية في الأذن الداخلية، مما يقلل من تدفق الأكسجين ويؤدي إلى تدهور السمع.
وفي تجربة أجراها باحثون إسبان، وُجد أن النساء اللواتي يعانين من سمنة مركزية (خصر عريض) واجهن صعوبة في تمييز النكهات والروائح، بسبب إفراز الدهون الحشوية لمواد تُعرف بـ”الأديبوكينات”، التي تشوش على الإشارات الكيميائية المرتبطة بالحواس.
مفارقة علمية: الدهون الحشوية ليست كلها سيئة!
أظهرت دراسة من جامعة إدنبرة أن طبقة الثرب (دهون تحيط ببعض أعضاء البطن) تحتوي على خلايا مناعية فريدة، تلعب دورًا في مكافحة التهابات خطيرة كالتهاب الصفاق. ما يجعل هذه الدهون سلاحًا ذا حدين – فهي تحمي في حالات، وتضر في أخرى.
كيف تعرف إن كانت الدهون الحشوية لديك تمثل خطرًا؟
الطريقة الأسهل هي مقارنة محيط خصرك بطولك:
إذا كان محيط خصرك أقل من نصف طولك، فأنت في المنطقة الآمنة.
مثال: إذا كان طولك 170 سم، يجب ألا يزيد خصرك عن 85 سم.
كيف تتخلص منها؟
الخبر السار هو أن الدهون الحشوية تستجيب بسرعة للنظام الغذائي المتوازن والتمارين الرياضية، وخاصة:
تمارين الكارديو (الجري، السباحة، الدراجة)
تمارين القوة والمقاومة
وبالتالي، فإن التخلص من الدهون الحشوية ليس مجرد تحسين للمظهر الخارجي، بل خطوة جادة نحو حماية صحتك من أمراض تبدأ خفية وتنتهي بتأثيرات جسيمة في كل عضو من جسدك.