لم يعد سيناريو انقطاع خدمة الإنترنت أمراً يمكن تقبله أو التغاضي عنه بالنسبة للغالبية العظمى من سكان الكوكب؛ فالشبكة العنكبوتية تحولت إلى العمود الفقري الذي يرتكز عليه النظام المالي والاستهلاكي العالمي، وهي الوسيلة التي تضمن فورية التواصل وإتمام المعاملات.
وعلى الرغم من كونها الركيزة الأساسية لكافة الأنشطة البشرية والتجارية حول العالم، إلا أن عام 2025 كشف عن “هشاشة متزايدة” في بنية الإنترنت، حيث أدت سلسلة من الأعطال الجزئية إلى تكبيد الاقتصاد العالمي خسائر تقدر بمليارات الدولارات، متسببة في حالة من الفوضى واسعة النطاق.
إنترنت هش واضطرابات متكررة ووفقاً لتقرير نشرته وكالة “بلومبرغ” واطلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، فقد عانى الفضاء الرقمي في عام 2025 من انقطاعات منتظمة شملت مناطق واسعة، نتيجة خلل فني لدى المشغلين الرئيسيين للبنية التحتية. وقد أدى ذلك إلى شلل في أعمال ملايين المستخدمين، ومن أبرز تلك الحوادث:
- أزمة أمازون (أكتوبر): تسبب انقطاع استمر لمدة 15 ساعة في مراكز بيانات الشركة في حرمان الموظفين عالمياً من عقد اجتماعاتهم عبر “زووم”، كما أفسد العطل خطط المهندسين المناوبين في الهند للاحتفال بعيد “ديوالي”.
- عطل “Cloudflare” (منتصف نوفمبر): أدى خلل تقني في الشركة المتخصصة بأمن الويب إلى توقف عدد ضخم من المنصات العالمية، أبرزها (ChatGPT)، وهيئة النقل في نيوجيرسي، ومنصة “X” للتواصل الاجتماعي.
وقد يثير استغراب البعض أن يؤدي عطل في شركة واحدة إلى “ظلام رقمي” حول العالم، لكن السبب يكمن في التطور التاريخي لبنية الإنترنت، حيث تعاظم دور شركات التكنولوجيا الكبرى لقدرتها على توفير خدمات بتكاليف تشغيلية أقل، مما جعل العالم بأسره يعتمد على عدد محدود جداً من المزودين.
ما الذي تغير في هيكلية الشبكة؟ تتمثل التحولات الجوهرية في طريقة عمل الإنترنت اليوم في “مركزية التخزين” وإدارة البنية التحتية، ويمكن تلخيص هذا التحول في النقاط التالية:
- حقبة التسعينيات وبداية الألفية:
- كانت الشركات تدير خوادمها (Servers) الخاصة داخل مقارها.
- يتم تخزين بيانات الأفراد (صور وملفات) محلياً على أجهزة الكمبيوتر.
- كانت الأعطال “فردية ومحدودة”، لا يتعدى ضررها الشركة أو المستخدم نفسه.
- عصر الحوسبة السحابية (الوضع الراهن):
- تغير المشهد مع ظهور الخدمات السحابية.
- كانت البداية عندما طورت “أمازون” بنية تحتية مركزية لحل مشاكل خوادمها الداخلية، ثم حولتها لخدمة تجارية باسم “أمازون ويب سيرفيسز” (AWS).
- لحقت بها شركتا “مايكروسوفت” و”غوغل”، لتسيطر الشركات الثلاث على سوق الحوسبة السحابية عالمياً.
واليوم، باتت غالبية المؤسسات والمستخدمين يعتمدون كلياً على خدمات هذا “الثالوث التكنولوجي” لتشغيل التطبيقات وتخزين البيانات بكفاءة. ومن الناحية التقنية، تستند هذه الخدمات السحابية إلى ملايين الخوادم الموزعة في “مراكز بيانات” ضخمة حول العالم، مقسمة جغرافياً لخدمة دول محددة.
وغالباً لا يدرك المستخدمون الموقع الفعلي للخوادم التي تدير أعمالهم إلا عند وقوع الكارثة، والتي قد تحدث لأسباب متعددة، منها:
- أخطاء برمجية في النظام.
- ارتفاع درجات حرارة مراكز البيانات.
- تلف في الكابلات الرئيسية الناقلة للبيانات.
