أكد خبراء ومسؤولون أن سلاسل الإمداد الغذائي في الأردن ما تزال صامدة رغم التوترات الإقليمية المتصاعدة، مشيرين إلى أن المملكة تمتلك مخزونًا استراتيجيًا من المواد الغذائية الأساسية يكفي لأشهر طويلة، تصل في بعض السلع مثل الحبوب إلى أكثر من عام، وذلك بفضل خطط طوارئ محكمة وسياسات استباقية.
رئيس غرفتي تجارة الأردن وعمان، العين خليل الحاج توفيق، أوضح أن استقرار سلاسل التزويد يعود إلى تنوع مصادر الاستيراد وتماسك خطوط الشحن البحرية والبرية، رغم بعض الاضطرابات التي رفعت رسوم الشحن أو التأمين، مشيرًا إلى أن النقل البحري والبري من خلال السعودية ومصر وعبر العقبة وسوريا ما يزال يعمل بانتظام، في حين يعتمد النقل الجوي بشكل محدود على السلع الطازجة مثل اللحوم والأسماك.
وأشار الحاج توفيق إلى أن المواد الغذائية الأساسية متوفرة في الأسواق دون انقطاع، مؤكدًا أن الغرفة التجارية تتابع أوضاع السوق عن كثب. وشدد على أهمية الشفافية في تقديم بيانات دقيقة حول نسب الاكتفاء الذاتي، لعدم إرباك المستهلكين أو صانعي القرار.
وأوضح أن بعض السلع مثل السكر والزيوت النباتية والبقوليات والقمح تعتمد بشكل شبه كامل على الاستيراد، فيما يغطي الإنتاج المحلي نحو 80% من احتياجات السوق من الدواجن، وتصل نسب الاكتفاء الذاتي من الحليب والألبان إلى مستويات مرتفعة، في حين تتراوح نسبة الاكتفاء من اللحوم الحمراء بين 30 إلى 40%.
ودعا إلى دعم القطاع الزراعي الذي وصفه بـ “الأكثر تضررًا أثناء الأزمات”، مطالبًا بتجاوز منطق الحلول المؤقتة وتبني خطط استراتيجية مستدامة، مع فتح الأسواق أمام المنتجات المحلية، والاستفادة من العلاقات مع سوريا والعراق ولبنان لتوسيع فرص التصدير.
الحاج توفيق طمأن المواطنين إلى أن أسعار المواد الغذائية مستقرة، ولا توجد مؤشرات على ارتفاعها، داعيًا إلى تجنب الشراء المفرط، مشيرًا إلى تقارير دولية مثل تقارير البنك الدولي، التي تضع الأردن ضمن الدول الأقل عالميًا في معدلات تضخم أسعار الغذاء.
من جهته، أكد وزير الزراعة الأسبق الدكتور رضا الخوالدة أن الأردن نفذ حزمة من الخطط المتكاملة لضمان استمرارية التزويد الغذائي، مستندًا إلى سياسة متوازنة وعلاقات سياسية مستقرة، مكنته من تجنب الدخول في أزمات حادة تؤثر على الأمن الغذائي.
وأشار إلى وجود احتياطيات استراتيجية من المواد الأساسية مثل الحبوب، تمتد من 14 إلى 16 شهرًا، بالإضافة إلى خطط بديلة في حال الطوارئ. كما أشاد بتنسيق الجهود بين مجلس الأمن الغذائي الوطني ومركز الأزمات ووزارة الزراعة والقطاع الخاص في تعزيز مرونة النظام الغذائي الوطني.
وأوضح أن الإنتاج المحلي يلبي جزءاً كبيراً من احتياجات السوق في الخضروات والدواجن والبيض والحليب، لكنه ما يزال يعتمد على استيراد مدخلات الإنتاج، وهو ما تسعى الحكومة لتأمينه باستمرار عبر تنويع المصادر والحفاظ على مخزون استراتيجي.
بدوره، شدد خبير الأمن الغذائي الدكتور فاضل الزعبي على أن سلاسل التوريد الغذائية في الأردن أظهرت قدرة عالية على الصمود بفضل السياسات الاستباقية. وأوضح أن الدولة ركزت على محورين رئيسيين: تنويع مصادر الاستيراد، وتعزيز المخزون الاستراتيجي من السلع الأساسية مثل الحبوب والسكر والزيوت والأعلاف.
وأشار الزعبي إلى أن الاكتفاء الجزئي في عدد من المنتجات المحلية مثل الخضروات والدواجن والحليب والبيض وزيت الزيتون خفف من ضغط الاعتماد على الواردات، مؤكدًا أن الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي 2021–2030 تهدف إلى بناء منظومة غذائية مستدامة، عبر التوسع في تقنيات الري الذكي، والحصاد المائي، وإنشاء مجمعات زراعية صناعية في الأغوار، وتشجيع الاستثمار في مناطق مثل حوض الحماد والسرحان.
كما لفت إلى أهمية الأدوات التحليلية المتقدمة التي طوّرها الأردن، مثل “المرصد الإقليمي للأمن الغذائي والتغذية” و”نظام المعلومات الوطني للأمن الغذائي”، والتي تتيح إعداد تقارير استباقية تسهم في اتخاذ قرارات سريعة وفعالة. ودعا إلى توسيع الشراكات مع المنظمات الدولية مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، لدعم بناء نظم غذائية متكاملة تراعي الأبعاد المناخية والتنموية.
وختم الزعبي بالتأكيد على أن تحقيق الأمن الغذائي لا يقتصر على الإنتاج المحلي فحسب، بل يتطلب سلسلة متكاملة من السياسات، والاستثمارات، والتنسيق المؤسسي والمجتمعي، مما يعزز مكانة الأردن كمركز إقليمي واعد في ملف الأمن الغذائي.