في أي نقاش موضوعي وجاد، يُطالب المتحدثون غالبًا بتحديد المفاهيم والمصطلحات المستخدمة بدلاً من الاكتفاء بكلمات مرسلة أو تعبيرات فضفاضة. ومن هذا المنطلق، أبدأ تقييمًا لأداء الحكومة الحالية برئاسة الدكتور بشر الخصاونة، متناولًا بعض الممارسات التي تستحق إعادة نظر حقيقية.
الجولات الميدانية: مظهر لا يغني عن الجوهر
من الملاحظ أن رئيس الوزراء كثّف من جولاته الميدانية، لكن السؤال المطروح: ما الجدوى الفعلية لهذه الزيارات ضمن منطق العمل المؤسسي؟
سواء كانت هذه الجولات مفاجئة أو معلنًا عنها، انتقائية أو شاملة، فإن تفقد المدارس والمراكز الصحية وتوجيه تعليمات بتوفير أجهزة أو تركيب مراوح أو تخصيص مركبات لا يُفترض أن يكون من اختصاص رئيس الحكومة.
لو أن هذه التوجيهات لم تكن ضمن علم المعنيين بها من مديرين ووزراء، فهذه مصيبة تكشف فشلًا في الأداء الإداري والتسلسل الوظيفي. أما إذا لم تكن مدرجة ضمن الموازنات، فهي دلالة على ضعف التخطيط وعدم وضوح الأولويات.
الجولات الميدانية قد تحمل بعض الإيجابيات، لكنّها، في السياق الأردني، ترتبط بثقافة “الشخصنة”، حيث تختلف طريقة إدارة الدولة باختلاف شخصية الرئيس. فبين رئيس يهوى الإعلام والانفتاح، وآخر يعاديه ويقيد حركته، تصبح المؤسسات رهينة المزاج الفردي لا السياسة العامة.
ناهيك عن أن الوزراء يُجبرون على مرافقة الرئيس، ما يستهلك جهدًا ووقتًا كان يمكن توظيفه في متابعة ملفات أكثر أهمية، خصوصًا أن كثيرًا من التوجيهات الصادرة خلال هذه الجولات يمكن لأي مدير دائرة تنفيذها دون الرجوع إلى مرجع أعلى.
غياب الصوت السياسي للحكومة
على الصعيد السياسي، لم نشهد من رئيس الوزراء الحالي، كما الحال مع كثير من سابقيه، أي تصريح سياسي واضح يعكس موقف الحكومة من قضايا محلية أو إقليمية. الاكتفاء بتصريحات وزير الخارجية لا يغني عن دور رئيس الحكومة المفترض في تقديم خطاب سياسي يعبر عن توجهات الدولة ويشرح للرأي العام المواقف الرسمية.
الحضور الإعلامي: الغائب الأكبر
من المؤسف أن رئيس الوزراء لم يظهر في أي مقابلة تلفزيونية أو صحفية يوضح من خلالها رؤية حكومته، أو يستعرض تفاصيل ما أُنجز وما لم يُنجز، وهو أمر ضروري في زمن تتسارع فيه وتيرة الأحداث وتتعاظم فيه التحديات.
وزراء لا يعرفهم أحد
أما على صعيد التشكيلة الوزارية، فهناك وزراء يمرّون مرورًا باهتًا، لا يظهرون في الإعلام ولا يُعرف عنهم شيء، حتى أن معظم المواطنين لا يعلمون أسماءهم أو طبيعة وزاراتهم. في المقابل، هناك مسؤولون يتصدرون الأخبار بشكل مستمر، حتى لأبسط النشاطات، ما يثير تساؤلات حول المعايير الإعلامية المتبعة.
الأمر لا يتوقف هنا، بل نجد بعض الوزراء يُصدرون تصريحات مستفزة أو يفتقرون لأبسط مهارات الظهور الإعلامي، ما ينعكس سلبًا على صورة الحكومة وأدائها العام.
هل هناك ما يمكن تسميته بالإنجازات؟
إذا أردنا الحديث عن الإيجابيات، فقد تُحسب للحكومة قدرتها على الاستمرار رغم التباينات بين أعضائها، وعدم ميلها لإجراء تعديلات وزارية متكررة، كما أن الجولات الميدانية وإن كانت شكلية في بعض الأحيان، فقد دفعت بالوزراء والمدراء إلى النزول للميدان، وهذا بحد ذاته نقطة إيجابية في ظل بيئة بيروقراطية.
لكن عند الحديث عن “الإنجازات”، فإن الأمر يحتاج إلى وقفة. فهل مجرد الجولات والزيارات تُعدّ إنجازًا؟ هل تنفيذ إجراءات روتينية يُعد إنجازًا؟ للأسف، في كثير من الحالات، ما يُسوّق على أنه “نجاح حكومي” لا يتعدى كونه مهامًا طبيعية أو تفاصيل لا تستحق الاحتفاء.
الخلاصة:
نحن بحاجة إلى معايير واضحة لتقييم الأداء الحكومي، قائمة على المؤشرات لا الانطباعات، على النتائج لا الصور.
وما لم تُبنى الممارسة الحكومية على قواعد مؤسسية راسخة بدلًا من المزاجية والارتجال، فستظل الحكومات المتعاقبة تدور في ذات الحلقة المفرغة.
أما الحديث التفصيلي عن تقييم الأداء الشامل، فله مقام آخر ومقال قادم.