على مدى الأعوام القليلة الماضية، رسّخ الأردن موقعه كأحد أسرع أسواق الطاقة العربية تحوّلًا نحو الكهرباء النظيفة، مستفيدًا من حزمة إصلاحات وتشريعات ومشاريع ربط إقليمي، بحسب خبراء ومتابعين لقطاع الطاقة.
ويرى المختصون أن المشهد الطاقي في المملكة يجمع بين منجزات قائمة وطموحات متقدمة قيد التنفيذ، مقابل تحديات تشغيلية واقتصادية ما تزال تؤثر في القطاع. فبينما يشير العديد منهم إلى القفزة في حصة الطاقة المتجددة وتعاظم دور الأردن كمحور للربط الكهربائي، يلفت آخرون إلى أن تعظيم أثر هذه الإنجازات على كلف الإنتاج وحياة المواطنين يتطلب جهودًا إضافية.
إطار تشريعي مُحدّث ومشاريع ربط إقليمي
يُعد قانون الكهرباء العام لسنة 2025 الذي دخل حيز التنفيذ منتصف آب (أغسطس) الماضي من أبرز تطورات القطاع حديثًا؛ إذ يهيّئ لتحديث بنية السوق ورفع مرونة الشبكة وتوسيع الاستثمارات في التخزين والطاقة المتجددة. ويؤكد خبراء أن القانون يمثل نقطة تحوّل في آليات التنظيم وتعزيز الحوكمة في قطاع الكهرباء.
إقليميًا، بدأ الأردن منذ الربع الأول من 2024 بتزويد الشبكة العراقية بالكهرباء ضمن المرحلة الأولى من مشروع الربط، مع خطط لرفع الإمداد تدريجيًا حتى 200 ميغاواط تمهيدًا لقدرات أعلى لاحقًا. ويُنظر إلى هذه الخطوة بوصفها نافذة تصدير مستدامة تعزّز أمن التزوّد في البلدين وتدعم دور الأردن في منظومة الربط الإقليمي.
رقمنة العدادات ورفع كفاءة إدارة الأحمال
محليًا، تمضي هيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن في تعميم العدادات الذكية على المشتركين لتحسين إدارة الأحمال وخفض الفاقد وتفعيل تسعير أكثر استجابة لفترات الذروة. وتشير دراسات محلية متخصصة إلى قدرة هذه الخطوة على خفض الفواتير وتحسين كفاءة الشبكة مع توقعات بارتفاع الأحمال خلال مواسم الذروة.
نمو متواصل في مصادر المتجددة
تُظهر قواعد بيانات الوكالة الدولية للطاقة المتجددة نموًا مطردًا في مساهمة المصادر المتجددة في كهرباء الأردن خلال السنوات الأخيرة، بما ينسجم مع الاتجاه العالمي الذي تسجّل فيه الطاقة النظيفة زيادات قياسية من حيث الإضافات السنوية وتنافسية الكلفة.
وعلى صعيد المنجزات، شكّل التحول نحو الطاقة المتجددة العنوان الأبرز؛ إذ ارتفعت نسبة مساهمتها في توليد الكهرباء إلى نحو 29% بنهاية 2023، مع استهداف الوصول إلى 50% في 2030—وهي من أعلى النسب على مستوى المنطقة—بدعم من مشاريع كبرى في الطاقة الشمسية والرياح وضعت الأردن ضمن الدول الرائدة إقليميًا.
إنجازات نوعية وتطلعات استراتيجية
أكد مدير عام شركة «إيفر جرين» م. فادي مرجي أن الأردن قطع خلال السنوات الأخيرة خطوات نوعية ملموسة في قطاع الطاقة، يمكن تلخيصها في محاور رئيسية:
- تعزيز أمن التزوّد عبر تنويع المصادر وتقليل الاعتماد على مصدر واحد، ومن ذلك إنشاء ميناء الغاز الطبيعي المسال في العقبة والبدء بتوليد الكهرباء من الصخر الزيتي، وهي خطوات رفعت من استقلالية المنظومة.
- ترسيخ مكانة إقليمية عبر مشاريع الربط مع مصر وفلسطين وخطط مستقبلية مع السعودية والعراق، بما يدعم استقرار الشبكة ويوسّع آفاق تبادل الطاقة.
- دعم كفاءة الطاقة من خلال برامج الترشيد مثل صندوق تشجيع الطاقة المتجددة (JREEEF) الذي أسهم في تمكين القطاعات الصناعية والمنزلية والفندقية من تبنّي حلول خفض الاستهلاك.
متطلبات المرحلة المقبلة
يرى مرجي أن البناء على ما تحقق يتطلب:
- تطوير الشبكة الوطنية وتحويلها إلى شبكة ذكية قادرة على استيعاب مزيد من المصادر المتقطّعة، مع التوسع في مشاريع التخزين.
- وضع استراتيجية وطنية للهيدروجين الأخضر تستثمر الإمكانات الكبيرة للطاقة الشمسية، بما يمكّن الأردن مستقبلًا من لعب دور مصدر رئيس لهذه الطاقة.
- تحسين البيئة التشريعية والتنظيمية لجذب استثمارات محلية وأجنبية في التخزين والنقل الكهربائي، مع استقرار القواعد القانونية لحماية الاستثمارات طويلة الأمد.
- تكامل الطاقة مع قطاع النقل عبر التوسع في المركبات الكهربائية، ومع قطاع المياه عبر مشاريع التحلية المعتمدة على مصادر متجددة لتعظيم الأثرين الاقتصادي والبيئي.
الحاجة إلى مشاريع نوعية وبنك معلومات
قال وزير تطوير القطاع العام الأسبق د. ماهر مدادحة إن القطاع حقّق إنجازات على المستويين التشريعي واللوجستي خلال الأعوام الماضية، لكنه ما يزال بحاجة إلى مشاريع نوعية كبرى تستغلّ المصادر المحلية بصورة أوسع.
وأكد أن تفعيل الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي وقّعتها الحكومة في مجالات الهيدروجين والتعدين يجب أن يُترجم إلى استثمارات فعلية على الأرض.
وشدّد مدادحة على ضرورة إعداد بنك معلومات لدى وزارة الطاقة والثروة المعدنية يتضمن الموارد والفرص الاستثمارية المتاحة بالتعاون مع وزارة الاستثمار، بحيث يشتمل على دراسات فنية ودراسات جدوى وخطط تسويق، إلى جانب الترويج لهذه الفرص محليًا ودوليًا.
قدرات متزايدة في المتجددة والغاز
اتفق رئيس جمعية مستثمري شرق عمّان الصناعية د. إياد أبو حلتم مع الطروحات السابقة بشأن التقدّم في القطاع، موضحًا أن تنفيذ المبادرات المنبثقة عن رؤية التحديث الاقتصادي أصبح أكثر وضوحًا. فقد تمت مراجعة استراتيجية قطاع الطاقة لرفع مساهمة المتجددة في خليط الكهرباء والتوسع في استخدام الغاز الطبيعي، إضافة إلى إطلاق مبادرات الهيدروجين الأخضر وتطوير البنى التحتية الملائمة له.
وأشار أبو حلتم إلى أن القدرة المركبة من مشاريع المتجددة المغذّية للشبكة الوطنية تجاوزت 2800 ميغاواط، إلى جانب التوسع في استخدام الغاز الطبيعي في القطاع الصناعي وربط عدد من المدن الصناعية المهمة مثل القسطل ومعان والموقر وغيرها. كما أُنشئت محطة لتخفيض الضغط المرتفع للغاز، مع تسجيل إنجازات في حقل الريشة.
ولفت إلى المضي في تطبيقات الشبكة الذكية، وإطلاق مشاريع كفاءة الطاقة التي تخفّض كلف المنشآت الصناعية بما يزيد على 25%، مع توقيع أكثر من 70 اتفاقية بين وزارة الطاقة وعدد من المنشآت الصناعية. وتستمر مشاريع الربط الكهربائي مع الدول المجاورة بما يعزّز مرونة المنظومة.
قانون الكهرباء الجديد والتحفيز على الاستثمار
وبيّن أبو حلتم أن من أبرز المنجزات أيضًا إقرار قانون الكهرباء الجديد الذي يُعد خطوة في الاتجاه الصحيح رغم بعض الانتقادات؛ إذ يتضمن حوافز للاستثمار في قطاع الكهرباء والهيدروجين الأخضر ومشاريع التوليد. لكنه شدد على استمرار الحاجة إلى توسعة الشبكات وتعزيز مشاريع التخزين لضمان استدامة التزويد وتلبية النمو المتزايد في الطلب.