كشف تقرير تحليل أداء المدارس من خلال الزيارات التقييمية للعام الدراسي 2024/2025، الذي أصدرته وزارة التربية والتعليم، عن واقع مقلق للتعليم في المملكة، حيث أبرز نسباً عالية للأداء المنخفض في العديد من المؤشرات الجوهرية التي تعبر عن مستوى العملية التعليمية وفعاليتها، مما ينعكس سلباً على جودة الإنجازات التعليمية.
مدارس تعاني من أداء ضعيف ومنخفض
أظهرت النتائج أن 88% من المدارس التي خضعت لزيارات فريق التقييم الوزاري، سجلت أداءً ضعيفاً أو منخفضاً في مؤشر استخدام نتائج التقييم الفردي والتراكمي للطلاب لدعم التعلم وصياغة الخطط المدرسية. أما في مؤشر التنويع في استراتيجيات التدريس مع مراعاة الاختلافات الفردية لتلبية احتياجات الطلاب، فقد حققت 64% فقط أداءً مقبولاً.
وفيما يخص كفاءة التعامل مع الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة، فقد أظهرت 82% من المدارس أداءً ضعيفاً أو منخفضاً. هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات، بل تشير إلى خلل هيكلي في نظام التعليم يتطلب تحليلاً عميقاً يصل إلى جذور المشكلة ويبحث عن حلول عملية وفعالة، مع النظر في آثارها طويلة الأمد.
ضعف في استثمار نتائج التقييم الطلابي
من أبرز الإشارات، ضعف استخدام نتائج التقييم لتحسين العملية التعليمية، رغم دورها الحاسم في تحديد نقاط القوة والضعف وصياغة الخطط التعليمية وفقاً لها. فمعظم المدارس ما زالت تعامل التقييم كإجراء روتيني يقتصر على تسجيل الدرجات أو تصنيف الطلاب، دون استثمار البيانات في تصميم برامج تدريس فردية أو تعديل المناهج، مما يفسر استمرار التحديات التعليمية دون حلول حقيقية.
هذا العجز في 88% من المدارس يعكس ضعفاً في ثقافة التقييم الإيجابي، ونقصاً في أدوات تحليل البيانات التعليمية، وعدم ربط النتائج بالخطط المدرسية. نتيجة لذلك، لا تستند القرارات التعليمية إلى أدلة علمية، ولا يعكس التخطيط المدرسي الواقع الفعلي لمهارات الطلاب واحتياجاتهم.
أما مؤشر التنويع في استراتيجيات التدريس، الذي أظهر ضعفاً في 64% من المدارس، فيشير إلى اعتماد واسع على الطرق التقليدية المبنية على التلقين ونقل المعرفة، دون تبني أساليب متنوعة تتناسب مع أنماط التعلم المختلفة ومستويات الطلاب. هذا النهج يحد من تطوير التفكير النقدي وقدرة حل المشكلات والتفاعل مع المحتوى التعليمي، كما يؤدي إلى تراجع تحصيل الطلاب الذين يحتاجون دعماً إضافياً، بينما يبقى إمكانيات المتفوقين غير مستغلة. يعود هذا إلى ضعف تدريب المعلمين على التعامل مع بيئات تعليمية متنوعة، بالإضافة إلى الإدارة المركزية التي تقيد مرونة المدارس في تطوير أساليب التدريس.
وفي سياق آخر، أبرز التقرير نقصاً واضحاً في قدرة المدارس على دعم الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث سجلت 82% أداءً ضعيفاً في هذا المجال. هذا الواقع يكشف عن غياب استراتيجية وطنية فعالة للدمج التعليمي، ونقص في تدريب المعلمين على التعامل مع الاختلافات الفردية، إلى جانب ضعف البنية التحتية والخدمات الداعمة داخل المدارس.
في كثير من السلطات، يتم استبعاد هؤلاء الطلاب بشكل غير مباشر من الأنشطة، أو عدم تكييف المناهج والأنشطة مع قدراتهم، مما يحرمهم من تعليم عادل ويوسع الفجوات الاجتماعية، ويقلل من فرصهم في التعليم والتوظيف والمشاركة المجتمعية.
أسباب جذرية وتحديات هيكلية
عند الغوص في الأسباب العميقة لهذه النتائج، يتضح وجود عوامل مترابطة، أولها ضعف الإعداد المهني للمعلمين، حيث تبقى برامج التدريب نظرية وغير عملية، لا توفر الأدوات اللازمة لتحليل نتائج الطلاب أو تصميم خطط تدريسية فعالة. ثانياً، غياب ثقافة مؤسسية للتقييم داخل المدارس، حيث يُرى كأداة محاسبة لا كوسيلة لتحسين التعلم.
تلعب الإدارة المركزية في الوزارة دوراً كبيراً في تقييد قدرة المدارس على ابتكار خططها التعليمية بمرونة، بالإضافة إلى ضعف البيئة المدرسية الداعمة للدمج، وعدم وجود آليات فعالة للمتابعة الذاتية، وقلة التعاون بين الأسر والمدرسة لدعم العملية التعليمية.
إذا استمر هذا الواقع دون تدخل، فسيؤدي إلى عواقب بعيدة المدى تفوق حدود المدرسة: أكاديمياً، سيستمر تدني التحصيل ويصبح الطلاب غير مستعدين للمراحل العليا؛ اقتصادياً، سيزداد الفجوة بين مهارات الخريجين ومتطلبات سوق العمل، مما يرفع البطالة ويضعف القدرة التنافسية؛ اجتماعياً، سيؤدي إلى إقصاء فئات واسعة وتعميق الفوارق.
ورغم الجانب السلبي لهذه الأرقام، إلا أن التقرير يمثل فرصة لإعادة رسم الطريق التربوي، إذ توفر مؤشرات واضحة – رغم سلبيتها – نقطة انطلاق للإصلاح. ويبرز الحاجة إلى إعادة تعريف التقييم كأداة تحسين لا مجرد قياس، وتطوير برامج تدريب المعلمين لمواجهة الاختلافات الفردية واستخدام البيانات بفعالية.
كما يتطلب الأمر إعادة هيكلة الإدارة المدرسية لمنح المدارس استقلالية أكبر في تصميم برامجها بناءً على نتائجها، مع آليات مساءلة شفافة لضمان الجودة. ويجب تعزيز الدمج التعليمي الحقيقي من خلال تهيئة البيئة المدرسية وتدريب المعلمين وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة.
هذا التحول سيحول النظام التعليمي من إدارة الأزمات إلى بناء القدرات، حيث تصبح المدرسة مركزاً لتطوير المهارات لا مجرد نقل المعرفة، والتقييم وسيلة لفهم الطلاب ودعمهم لا تصنيفهم. كما سيسمح بصناعة نظام تعليمي يتكيف مع التغييرات العالمية، ويعد الطلاب للاقتصاد المعرفي، ويقلل الفوارق الاجتماعية ويعزز التنمية المستدامة.
يمثل تقرير تحليل أداء المدارس في الزيارات التقييمية للعام 2024/2025 إنذاراً واضحاً بأزمة هيكلية لا يمكن تجاهلها، إذ تعكس النسب المنخفضة في المؤشرات الرئيسية – 88% في استخدام نتائج التقييم، 64% في تنويع التدريس، 82% في دعم ذوي الاحتياجات الخاصة – حقيقة أعمق، تتطلب مراجعة شاملة للنظام التعليمي. فإما أن تكون هذه النتائج بداية لإصلاح جذري، أو تبقى العملية التعليمية في دائرة من السياسات التقليدية التي لا تنتج سوى نتائج محدودة.