أجمع المتخصصون على إمكانية تحقيق هدف جعل الأردن وجهة رئيسية إقليمياً للطاقة النظيفة، لكن ذلك يستلزم إنشاء إطار تنظيمي شامل، وتوفير تمويل طويل الأمد، وتجهيز البنية التحتية اللازمة، مع تطوير مهارات وطنية تؤهل لإدارة التقنيات المتطورة المرتبطة بتوليد الكهرباء والتحلية.
يأتي هذا الرأي في سياق تكرار وزارة الطاقة والثروة المعدنية لتأكيدها خلال الأشهر الماضية على خطتها لتحويل الأردن إلى مركز إقليمي للطاقة النظيفة بحلول عام 2035، مع الاعتماد على استراتيجية لتوسيع قطاع الهيدروجين الأخضر عبر إطلاق 14 مشروعاً، حيث يُتوقع أن يبدأ الإنتاج الفعلي لهذا الهيدروجين في المملكة بين عامي 2030 و2035.
أعرب رئيس اتحاد الجمعيات البيئية، عمر الشوشان، عن رأيه بأن محاولة الوزارة لتثبيت مكانة الأردن كمركز إقليمي للطاقة النظيفة بحلول 2035، من خلال تعزيز قطاع الهيدروجين الأخضر، تمثل رؤية جريئة مع إمكانيات نجاح عالية.
وقال الشوشان “هذا التوجه الجاد يأتي انسجاما مع الاستراتيجية الوطنية للطاقة التي تستهدف رفع حصة المصادر المتجددة، وتعزيز أمن الطاقة، وخفض الانبعاثات تمهيدا لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050”.
وأفصل أن هذا التطور يمر بمراحل متعددة، بدءاً من إجراء الدراسات التقنية والاقتصادية، مروراً بتحديث البنية التحتية المشتركة في العقبة، وصياغة اللوائح القانونية والمالية الجذابة لجذب الاستثمارات، وصولاً إلى التشغيل التجاري وزيادة حجم التصدير إلى الأسواق المجاورة.
وأوضح الشوشان أن مصادر التمويل ستتنوع بين الاستثمارات الخاصة، والشراكات بين القطاعين العام والخاص (PPP)، والقروض والمنح من جهات دولية مثل البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والبنك الدولي، بالإضافة إلى الصناديق الإقليمية المهتمة بالاقتصاد الأخضر.
كما أضاف الشوشان “رغم المنافسة الإقليمية القوية من السعودية والإمارات ومصر، يمتلك الأردن مزايا تنافسية حقيقية، أبرزها موارده الغنية من الطاقة الشمسية والرياح، وموقعه الاستراتيجي القريب من موانئ التصدير، وخبراته المتراكمة في سياسات الطاقة المتجددة، إلا أن النجاح يتطلب أيضا بناء كفاءات فنية وهندسية وطنية قادرة على تشغيل أنظمة التحليل الكهربائي، والتحكم بالعمليات الصناعية المرتبطة بسلاسل إنتاج ونقل الهيدروجين”.
وأكد أن الهيدروجين الأخضر ليس الطريق الوحيد نحو الحياد الكربوني، لكنه يُعد عموداً أساسياً في سلة الطاقة المستقبلية، حيث يقدم حلاً للصناعات والنقل الثقيل الذي يصعب كهربته.
من جانبه، أشار الخبير والمستثمر في مجال الطاقة، د. فراس بلاسمة، إلى “من الناحية الواقعية، ما تزال هناك حاجة لوجود بيئة تنظيمية واضحة تُعرف “الهيدروجين الأخضر”، أو تحدد معايير السلامة والنقل والتخزين والإفصاح الكربوني، أو تضع آلية منح التراخيص والضخ في الشبكة، ومن دون إطار قانوني متكامل من نوع “قانون مشاريع الهيدروجين ومشتقاته”، ستبقى أي مذكرة تفاهم مجرد إعلان علاقات عامة، لا أساسا استثماريا يمكن تمويله أو التأمين عليه دوليا”.
وأوضح بلاسمة أن العقبة تمثل المدخل الطبيعي لهذه المشاريع، إذ تجمع بين البحر والميناء والأراضي الواسعة المتاحة والبنية اللوجستية القابلة للتطوير.
لكن تحويل العقبة إلى “منطقة هيدروجين” يحتاج إلى نافذة تنظيمية موحدة تربط بين وزارة الطاقة وسلطة العقبة الاقتصادية ووزارة البيئة وسلطة المياه والدفاع المدني، حيث يؤدي الإجراء الروتيني الحالي إلى تأخير الموافقات البيئية والمائية والتقنية لمشروع تجريبي إلى أكثر من عامين، بينما نجحت دول مثل السعودية في إنجاز بنية تنفيذية وبدء التصنيع في نيوم خلال الفترة نفسها.
وأبرز أن التمويل الدولي من جهات مثل البنك الأوروبي لإعادة الإعمار أو صندوق المناخ الأخضر يرتبط بمشاريع قابلة للتنفيذ ذات جدوى واضحة وأطر قانونية مستقرة وضمانات لاستخدام المياه والطاقة بمعايير الاستدامة، لذا يجب على الحكومة التركيز على ثلاثة أو أربعة مشاريع نموذجية في العقبة بحلول 2028، مع تأمين مصادر التحلية والطاقة الخاصة بها، بدلاً من التركيز على عشرات المشاريع النظرية.
وقال بلاسمة “أي اقتصاد هيدروجين يحتاج قبل كل شيء إلى كفاءات وطنية مؤهلة، من مهندسين لتشغيل وحدات التحليل الكهربائي إلى مختصين بسلامة الهيدروجين والأمونيا وفنيين لإدارة التحلية والطاقة المتجددة ومن الضروري إنشاء “برنامج وطني للهيدروجين الأخضر” بالتعاون مع الجامعات التقنية لتخريج كوادر معتمدة”.
أما الخبير في الاقتصاد السياسي، زيان زوانة، فقد أكد أن “بالأخذ بالاعتبار أن الأردن يستورد جزءا أساسيا من حاجته الطاقوية، بما يشكله هذا من ضغط على هيكل تنافسية الاقتصاد الأردني وكذلك على موجودات المملكة من العملة الأجنبية، فإن خطط وزارة الطاقة لإنتاج الهيدروجين الأخضر وطموحها بتحويل الأردن إلى مركز إقليمي للطاقة النظيفة تعد طموحات معقولة”.
وقال زوانة “هذا يتطلب تسريع خطط إنتاج الطاقة المتجددة النظيفة وتخفيض كلفها ليتم توجيهها لإنتاج الهيدروجين الأخضر الذي يحتاج بدوره إلى بنية تحتية متكاملة، آخذين بالاعتبار تناقص تكاليف إنتاج الطاقة المتجددة النظيفة وتكاليف إنتاج الهيدروجين الأخضر ووجود منافسة في هذا الميدان خاصة من السعودية، مما يتطلب الحذر في السير بهذه الخطوات التي تتابع من خلال توقيع الأردن لاتفاقيات شراكة متعددة مع شركات مختصة، خاصة أن الطلب على الهيدروجين الأخضر في ازدياد لاستعمالاته المتعددة في قطاعات الاقتصاد المختلفة إضافة إلى الاستعمال المنزلي، كما يتطلب أيضا التركيز العميق على أمن وسلامة هذا التطوير لما يحمله الهيدروجين من مخاطر خلال مراحل الإنتاج والفصل والضغط والتخزين”.
تركز أولويات الوزارة حالياً على تعزيز الاعتماد الذاتي وخفض تكاليف الاستيراد عبر تنفيذ 6 مبادرات و32 أولوية ضمن البرنامج التنفيذي الثاني لرؤية التحديث الاقتصادي للفترة 2026–2029.
وكشفت الوزارة سابقاً لـ”الغد” أن “بعض الشركات التي تعمل مع الحكومة في مجال الهيدروجين قد وصلت إلى مراحل متقدمة، وأن الحكومة تعمل حاليا على تحديد نوعية الحوافز التي يمكن تقديمها للمستثمرين لتسهيل أعمالهم وتحقيق الفائدة المرجوة للطرفين، وترتبط الحكومة حاليا بمذكرات تفاهم مع 17 شركة متخصصة بالإضافة إلى اتفاقية إطارية واحدة مع شركة أخرى”.
كما أظهر تقرير النصف الأول من البرنامج التنفيذي لرؤية التحديث الاقتصادي 2023–2025 أن الوزارة أكملت إعداد ودراسة نموذج عمل البنية التحتية المشتركة لمشاريع الهيدروجين الأخضر، بالتعاون مع المطورين، ليتوافق مع احتياجات القطاع.