ناقشت جلالة الملكة رانيا العبدالله آثار الحرب الإسرائيلية على غزة، مشيرة إلى أن التقاعس والإهمال الدولي لم يقتصرا على تسهيل وقوع المجازر في غزة فحسب، بل ساهما في إعادة إشعال فتيل الكراهية على المستوى العالمي.
وأكدت جلالتها في تصريحاتها: “مراراً وتكراراً، حذر الخبراء من أن غزة تشهد عمليات تشريد جماعي، ومجاعة، وإبادة وشيكة. وفي الأشهر القليلة الماضية، جرى تأكيد المجاعة والإبادة الجماعية من هيئات عالمية مستقلة وأخرى تابعة للأمم المتحدة. رأى العالم ذلك قادماً، لكنه أخفق في التحرك لمنعه”.
وخلال كلمتها أمس بمناسبة افتتاح القمة السنوية لـ”عالم شاب واحد” التي عُقدت هذا العام في ميونخ، أوضحت جلالتها: “الأمر ليس مقتصراً على غزة فقط. ففي جميع أنحاء العالم، نرى الكراهية تتسلل مجدداً إلى أسس مجتمعنا العالمي. وليس الخطر فيما تدمره الكراهية فقط، بل لما تعيد تشكيله في بوصلتنا الأخلاقية، وإحساسنا بالإنسانية”.
وركزت جلالة الملكة على التحولات المؤلمة التي مرت بها غزة منذ عام 2023، حيث دُمرت عائلات كاملة، واستُشهد آلاف الأطفال أو أصبحوا يتامى أو مجاعين أو مصابين أو مصابين بصدمات نفسية عميقة.
وأشارت جلالتها إلى: “مهمة إعادة البناء الهائلة ما زالت تنتظر. والاحتلال الإسرائيلي غير الشرعي لفلسطين ما يزال مستمراً. وما يزال قمع الشعب الفلسطيني متواصلاً. وما يزال التوصل إلى حل عادل لهذا النزاع الذي امتد لعقود، للفلسطينيين والإسرائيليين، صعب المنال”.
وفي خطابها أمام جمهور يضم نحو 5 آلاف شاب وشابة من أكثر من 190 دولة، أبرزت الملكة كيف تجاوز تأثير غزة منطقة الشرق الأوسط، محفزاً ردود فعل عاطفية وغريزية في مختلف أنحاء الكرة الأرضية.
وأوضحت: “ربما لأننا شهدنا- في الوقت الحالي- الحقيقة الواضحة للكراهية عندما تتحول من شعور إلى كلمات، ثم إلى أفعال”.
وأشارت إلى عودة الكراهية في السنوات الأخيرة تحت أقنعة متنوعة، مثل “العنصرية المتخفية في عباءة الوطنية.. التفوق العرقي في عباءة الفخر الثقافي”.
وأكدت: “للكراهية عواقبها، فالاستهانة بها باعتبارها ‘مجرد كلام’ هو تجاهل لكيف بدأت كل إبادة جماعية: بالكلمات”.
وسلطت جلالتها الضوء على دور الخطاب الذي يحرم الآخرين من إنسانيتهم في أشد فصول التاريخ البشري قتامة، قائلة: ” ‘مجرد كلام’… حتى يُمهد خطاب الكراهية الطريق لعنف لا يوصف”.
وأضافت: “في أعقاب هجمات السابع من تشرين الأول، عندما أعلن مسؤول إسرائيلي حصاراً تاماً على غزة، وصف السكان بأنهم «حيوانات بشرية». كان يسير وفق نهج قديم مجرب: أقنع الجمهور بأنك تتعامل مع وحوش، فلا يصبح العنف مقبولاً فحسب، بل ضرورياً”.
وأكدت جلالتها أن الكراهية لا تستطيع التقدم دون شريكها الصامت، وهو اللامبالاة، مشيرة إلى: “تُعطى الكراهية شرعيتها من أولئك الذين يرفضون التطرق إلى القضايا الصعبة، قائلين ‘إنها معقّدة’، لكن ما يقصدونه في الحقيقة: ‘لا نريد أن نُتعب أنفسنا'”. وأضافت: “لكن اللامبالاة ليست أمراً بريئاً أيضاً. إنها تطيل عمر الظلم. تنازل صغير تلو الآخر يؤدي بنا إلى استسلام صامت للسقوط الأخلاقي”.
وأشارت إلى أن الكثيرين حول العالم أصيبوا بخيبة أمل بسبب الحرب على غزة، موضحة أن العامين الماضيين شهدا ظهور حركة عالمية داعمة للفلسطينيين، وصفتها بأنها “أضخم حركة شعبية عفوية عرفها العالم في الذاكرة الحديثة”.
وخاطبت الشباب قائلة: “اعلموا أن الأمل ليس مجرد تفاؤل ساذج؛ بل شجاعة تتحدى اليأس. إنه ما يدفع الناس للمطالبة بحرية شعب لم يلتقوه قط”.. وأضافت: “الحب يتطلب قوة أكبر من الكراهية. أن تكون شاهداً على الفظائع ليس بلا ألم، لكن وجع القلب هو ثمن اليقظة”.
وتُعد “عالم شاب واحد” منصة دولية تربط القادة الشباب من مختلف أنحاء العالم، وتنظم قمة سنوية في مدينة مختلفة كل عام. وتُصنف كواحدة من أبرز قمم القيادات الشابة عالمياً، حيث يُدعى المشاركون لإلقاء الخطب والمشاركة في الندوات، مع توفير فرص للتواصل والحصول على إرشادات من شخصيات مؤثرة.
وتستمر القمة هذا العام لأربعة أيام في ميونخ، ويشارك فيها نخبة من الشخصيات العالمية البارزة، بما في ذلك خبراء في التنمية الدولية وحقوق الإنسان والأعمال والسياسة والتكنولوجيا.
نقاط رئيسية من كلمة الملكة رانيا: تحذير من تجدد الكراهية عالمياً بسبب التقاعس تجاه غزة. دور اللامبالاة في تمديد الظلم والسقوط الأخلاقي. دعوة للشباب لتحويل الأمل إلى شجاعة ومطالبة بحل عادل. تأكيد أن الحب أقوى من الكراهية، رغم ألم الشهادة على الفظائع.
