أبدى خبراء في المجال النفسي قلقهم من انتشار ظاهرة الإدمان الرقمي لدى الأطفال والمراهقين، بسبب الإفراط في استخدام الأجهزة الذكية ومنصات التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية، مشددين على أنها لم تعد مجرد عادة ترفيهية مؤقتة، بل أصبحت مشكلة تؤثر على التطور النفسي والسلوكي، وتنعكس سلباً على الروابط الأسرية والإنجاز الدراسي.
وفي هذا الإطار، أشار أحمد إبراهيم الطرطور، مدير إدارة الشؤون القانونية في دائرة الخدمات الاجتماعية بالشارقة، إلى أن “الإدمان الرقمي، أو ما يُعرف بالاستخدام المفرط للأجهزة الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي، يعني أن يقضي الطفل أو المراهق وقتاً طويلًا في التفاعل مع الشاشات، والألعاب الإلكترونية، والفيديوهات، أو التطبيقات الرقمية، بما قد يعيق نشاطاته اليومية وينعكس سلباً على نموه النفسي والاجتماعي”.
المخاطر وبيّن الطرطور أن “الإدمان الرقمي للأطفال والشباب يرتبط بصعوبات نفسية واجتماعية ويؤثر على السلوك، إذ قد يظهر بعض الأطفال عدوانية أو انسحاباً اجتماعياً، كما أظهر تأثيراً على العائلة من خلال تقليل الترابط الأسري وزيادة العزلة، إضافة إلى تأثيره على الأداء الأكاديمي نتيجة تشتت الوقت المخصص للمذاكرة أو التفاعل مع المدرسة”. وأفاد بأن “الوقاية تبدأ بالتوعية بأسلوب بسيط يوضح مخاطر الاستخدام المفرط للشاشات وفوائد الاستخدام المتوازن، مع وضع حدود زمنية واضحة لتقليل وقت استخدام الشاشة تدريجياً أو تحديد أوقات خالية من الأجهزة، إلى جانب توفير بدائل صحية كالنشاط البدني واللعب في الخارج والأنشطة الفنية والاجتماعية، مع دعم عاطفي وحوارات مفتوحة تساعد الطفل على فهم استخدامه الرقمي بطريقة واعية ومسؤولة”. وأكد أنه “عند تأثير الاستخدام الرقمي على النوم أو الأداء المدرسي أو التفاعل الاجتماعي، يفضل اللجوء إلى أخصائي نفسي أو تربوي لتقديم الدعم والإرشاد اللازم”.
مرض مزمن وأكد سامي محمود طه، باحث وكاتب متخصص في أدب الأطفال، أن “الإدمان الرقمي أصبح ظاهرة تتجاوز الترفيه إلى التأثير العميق في سلوك الأفراد وتوازنهم النفسي، خاصة لدى الأطفال والشباب، والأمر لم يعد مجرد إهدار للوقت في فضاءات اللهو، بل تحول إلى حالة تشبه المرض المزمن، تُضعف الإرادة وتقلّص الحواس وتحدّ من روح المبادرة والإبداع، لتقود الأجيال إلى عالم من الانعزال والاعتياد السلبي”. وقال: “مع تزايد هذا الخطر، تبرز الحاجة إلى وقفة واقعية تعيد التوازن، وتحد من الإدمان عبر تنشيط الاهتمامات الرياضية، وتنظيم رحلات ثقافية واجتماعية تحفّز التفاعل الإيجابي، وتنمية الذائقة الفنية والموسيقية، وتعزيز الحضور الأسري عبر أنشطة مشتركة تُقوّي الروابط العاطفية، كما يستحسن وضع أطر زمنية مدروسة لاستخدام الأجهزة الرقمية، بحيث تُوجَّه نحو التعلم والتطوير الذاتي، بدل الانغماس في الاستهلاك الرقمي المفرط”.
وعي رقمي وأبرزت الدكتورة هالة الأبلم، استشارية نفسية وأسرية، أن “الإدمان الرقمي ليس مجرّد استخدام مفرط، بل هو تآكل تدريجي في وعي الفرد بذاته وحدوده، فهو يربك النضج الانفعالي، ويشوّه الإحساس بالزمن والهوية، ويستبدل التجربة الحيّة بصورة افتراضية بلا عمق”. وقالت: “تتجلّى آثار الإدمان الرقمي لدى الأطفال والشباب في ضعف التركيز، واضطرابات النوم، والانعزال الاجتماعي، وتراجع القدرة على التحمل النفسي، والوقاية تبدأ ببناء ثقافة وعي رقمي تعتمد على ضبط الذات لا المنع، واستعادة التوازن بين العالم الواقعي والافتراضي، عبر أنشطة تعيد للطفل جسده وحركته وانفعاله الحقيقي، إلى جانب حوارات عائلية تربط بين التكنولوجيا والمسؤولية، والمعرفة بالمعنى الإنساني الأوسع”.
