أكد متخصصون وفاعلون في المشهد السياحي أن مشروع “مدينة عمرة” يمثل نقلة نوعية واستراتيجية ستلقي بظلالها الإيجابية مباشرة على مستقبل القطاع السياحي في المملكة. وأشاروا إلى أن المشروع ينطوي على خطط تطويرية متميزة تهدف إلى تنويع المنتج السياحي الأردني والارتقاء بمستواه، مشددين على أن هذه الخطوة ستوجد وجهة حضرية عصرية تمتلك المقومات اللازمة لجذب شرائح متنوعة من الزوار وتلبية تطلعات مختلف الفئات السياحية.
وفي سياق حديثهم لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، أوضح الخبراء أن المشروع يفتح آفاقاً استثمارية فريدة، من خلال توجيه رؤوس الأموال المحلية والأجنبية نحو قطاعات حيوية وواعدة، أبرزها الترفيه، وسياحة المعارض والمؤتمرات، والخدمات الفندقية، بالإضافة إلى الأنشطة الثقافية. ونوهوا إلى أن دمج هذه القطاعات ضمن إطار المشروع سيرفع من التنافسية الإقليمية للوجهة الأردنية، ويعزز إمكاناتها في استقطاب الفعاليات العالمية الكبرى وجذب أعداد متزايدة من السائحين.
كما أشاروا إلى أن التدفقات الاستثمارية المرتقبة في هذا المشروع ستسهم في تأسيس منظومة سياحية مستدامة تقدم دعماً حقيقياً للمجتمعات المحلية في المنطقة الشرقية من المملكة. ويتمثل ذلك في خلق فرص عمل واسعة ومستدامة لفئة الشباب، وتحفيز القطاعات المساندة كالنقل، والمطاعم، والخدمات التجارية، مما يعظم الأثر الاقتصادي الكلي للمشروع على مستوى الوطن.
مكونات مشروع مدينة عمرة
يحتوي مخطط “مدينة عمرة” على حزمة من المشاريع السياحية النوعية التي ستشكل نقطة الارتكاز للجذب السياحي في شرق المملكة، وتتضمن ما يلي:
- المركز الدولي للمعارض والمؤتمرات: والذي سيعمل كمحرك أساسي لتنشيط سياحة الأعمال، مفسحاً المجال لاستضافة فعاليات دولية ومعارض متخصصة ترفع من وتيرة النشاط السياحي والاقتصادي.
- مدينة ترفيهية متكاملة: من المقرر إنجازها بحلول عام 2028، لتوفر مرافق بمواصفات عالمية للعائلات والزوار، مضيفةً بذلك عنصراً ترفيهياً حديثاً للقطاع.
- مرافق ثقافية وتعليمية: تشمل متاحف حديثة، ومراكز تكنولوجية، وحديقة بيئية واسعة، مما يجعل من المدينة وجهة شاملة تمزج بين الحداثة، الترفيه، الثقافة، والطبيعة في موقع واحد.
آراء الخبراء والمختصين
من جانبه، وصف الخبير السياحي الدكتور إبراهيم الكردي، من كلية السياحة والفندقة في الجامعة الأردنية فرع العقبة، مشروع مدينة عمرة بأنه نقطة تحول جوهرية في مسار تطوير المشهد السياحي الأردني. وأضاف أن المشروع يضيف وجهة حضرية عصرية تتناغم مع الكنوز الأثرية والطبيعية المحيطة، موضحاً أن موقع المشروع القريب من القصور الصحراوية التاريخية يمنح الزائر فرصة نادرة للربط بين عبق التاريخ والحداثة العمرانية.
وتابع الكردي قائلاً: “أن المشروع سيخلق محورا سياحيا جديدا يجمع بين السياحة الثقافية والترفيهية، ما يسهم في زيادة مدة إقامة الزائر ورفع إنفاقه السياحي، ويعزز مكانة الأردن كوجهة سياحية متقدمة في المنطقة”، لافتاً إلى أن المدينة الترفيهية ستوفر منتجاً سياحياً عائلياً متكاملاً يستقطب زوار المنطقة وينشط السياحة الداخلية.
وأوضح الكردي أن تأسيس مركز دولي للمعارض والمؤتمرات بمواصفات عالمية سيدفع بالأردن بقوة إلى واجهة سوق سياحة المؤتمرات، مبيناً أن المركز سيكون مغناطيساً للفعاليات الدولية والمعارض المتخصصة، مما سينعكس زيادةً في أعداد رجال الأعمال والوفود الرسمية، وينعش قطاعات الإيواء، والمطاعم، والنقل، والخدمات اللوجستية.
وفي ذات السياق، صرح رئيس جمعية وكلاء السياحة والسفر، محمود الخصاونة، بأن مشروع مدينة عمرة سيحدث تغييراً ملموساً في خريطة التدفق السياحي نحو شرق المملكة، وهي منطقة ظلت لفترة طويلة خارج حسابات العديد من البرامج السياحية رغم ثرائها بالمقومات التاريخية والطبيعية.
وشدد الخصاونة على أن توفر بنية تحتية عصرية ومشاريع متميزة، كالمدينة الترفيهية ومركز المؤتمرات، سيحول المنطقة إلى نقطة جذب رئيسية لشركات السياحة، وسيحفز تصميم مسارات برامجية جديدة تربط بين شرق عمان، والقصور الصحراوية، والمواقع الطبيعية المحيطة. وأشار إلى أن المشروع يفتح الباب أمام شركات السياحة لابتكار منتجات جديدة تستهدف العائلات، والمشاركين في المؤتمرات، والمجموعات الشبابية، مؤكداً أن وجود خدمات تجارية وترفيهية متطورة سيعزز قدرة المكاتب على تسويق المنطقة كوجهة متكاملة قادرة على المنافسة إقليمياً.
بدوره، أكد رئيس جمعية أدلاء السياح، أيمن عمر، أن احتضان المنطقة لمشروع ضخم كمدينة عمرة بالقرب من أحد أهم مواقع التراث العالمي “قصير عمرة”، سيعيد الروح للمسار الثقافي للقصور الصحراوية ويرفع من معدلات الزيارة إليها. وبين أن التزاوج بين السياحة الثقافية والترفيهية في مكان واحد سيجعل من مدينة عمرة ركيزة أساسية على الخارطة السياحية للأردن في السنوات القادمة.
وأوضح عمر أن تطوير الخدمات والمعالم في المنطقة سيمكن الأدلاء السياحيين من تقديم سرديات تاريخية أعمق وتجارب أكثر غنى للزوار، لا سيما مع التوقعات بزيادة أعداد السياح بعد اكتمال المشروع. ونوه إلى أن توفر مناطق ترفيهية وثقافية سيسهم في الارتقاء بالتجربة السياحية الكلية، ويجعل الجولات أكثر شمولاً ومرونة، مؤكداً أن المشروع سيولد فرص عمل جديدة للأدلاء، ويعزز مكانة هذا المسار ضمن البرامج السياحية الرسمية والخاصة.
وأكد مدير عام جمعية رجال الأعمال الأردنيين، طارق حجازي، أنه تزامناً مع جهود الأردن لتعزيز مكانته كوجهة عالمية ضمن رؤية التحديث الاقتصادي، فإنه من الضروري جذب الاستثمارات العالمية نحو المدن الترفيهية المتكاملة التي تحمل فرصاً اقتصادية واعدة.
ولفت حجازي إلى أن الدراسات تظهر أن السياحة الترفيهية تستحوذ على 40 بالمئة من الإنفاق السياحي العالمي، وأن المدن الترفيهية قادرة على إحداث نقلة نوعية في القطاع وتحقيق عوائد استثمارية مجزية. وبين أن أهمية السياحة الترفيهية لا تقتصر على كونها محركاً للنمو، بل تساهم في خلق وظائف غير مباشرة، ورفع الاحتياطي الأجنبي، وتحسين مستوى المعيشة، فضلاً عن تأثيرها الإيجابي على الصناعات الثقافية والتقليدية وزيادة الإيرادات الحكومية، مشيراً إلى أن ذلك يستدعي استثمارات موازية في البنية التحتية، وهو ما تعمل الحكومة حالياً على تنفيذه عبر مشاريع كبرى.
