يواصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اليوم الخميس، زيارته إلى دول الخليج، والتي تشمل السعودية وقطر والإمارات، في أول جولة رسمية له خلال ولايته الرئاسية الثانية. تهدف الجولة إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والعسكري مع شركاء واشنطن في الخليج، في ظل تطورات إقليمية معقدة.
وتثير هذه الزيارة العديد من التساؤلات حول ما إذا كانت تمثل تحولًا في سياسة الولايات المتحدة الخارجية، أم أنها تندرج ضمن استراتيجية شاملة، خاصة مع إعلان مفاجئ برفع العقوبات عن سوريا واستبعاد إسرائيل من جدول الزيارة.
صفقات عملاقة بـ4 تريليون دولار
احتلت الملفات الاقتصادية صدارة الزيارة، إذ أعلن ترامب عن سلسلة من الاتفاقيات الاستثمارية والعسكرية مع دول الخليج وصلت قيمتها الإجمالية إلى 4 تريليون دولار، موزعة كالتالي:
السعودية:
استثمارات بـ600 مليار دولار داخل الولايات المتحدة
صفقة أسلحة بقيمة 142 مليار دولار تشمل أنظمة دفاع جوي وبحري وتقنيات فضائية
قطر:
صفقة بـ96 مليار دولار لشراء 210 طائرات من طراز بوينغ، رغم أن ترامب أشار إلى قيمة تبلغ 200 مليار دولار
الإمارات:
محادثات حول استثمارات بقيمة 1.4 تريليون دولار على مدى عشر سنوات
التركيز على مجالات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا، وتعزيز مكانة أبوظبي كمركز عالمي للابتكار
وفي هذا السياق، صرّح الدكتور شهاب المكاحلة، خبير العلاقات الدولية، لقناة “رؤيا”:
“هذه الاتفاقيات تعكس رؤية طويلة المدى لتوطيد الشراكة بين الولايات المتحدة ودول الخليج. عملية تسليم الأسلحة ستمتد من ثلاث إلى خمس سنوات، وهو ما يعكس التزامًا أمريكيًا مستمرًا بالأمن الإقليمي”.
تعزيز الوجود العسكري الأمريكي
تأتي هذه الصفقات في ظل وجود عسكري أمريكي واسع في الخليج، يضم أكثر من 50 قاعدة عسكرية. ووفقًا للمكاحلة، فإن صفقات التسليح تمثل دعمًا إضافيًا للنفوذ الأمريكي في مواجهة تحديات مثل التوتر مع إيران وأزمات البحر الأحمر.
كما ناقش ترامب في الدوحة التعاون الدفاعي مع الأمير تميم بن حمد آل ثاني، إلى جانب الجهود القطرية للوساطة في وقف إطلاق النار في غزة، خصوصًا أن قطر تستضيف أكبر قاعدة أمريكية في الشرق الأوسط (قاعدة العديد).
رفع العقوبات عن سوريا: مفاجأة مدوّية
خلال قمة استثمارية في الرياض، فاجأ ترامب الحضور بالإعلان عن رفع شامل للعقوبات الأمريكية عن سوريا. وأوضح المكاحلة أن وزارة الخزانة كانت تستعد لتخفيف تدريجي للعقوبات، لكن ترامب اختار تجاوز ذلك بإلغاء كامل للإجراءات العقابية.
وصف ترامب قراره بأنه “يمنح سوريا فرصة للعظمة”، كما التقى بالرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، مشيدًا به كـ”شاب قوي وجذاب”.
وطالبت واشنطن السلطات السورية بتسليم أكثر من 50 ألف مقاتل أجنبي من غير العرب إلى دولهم، وهو مطلب وصفه المكاحلة بأنه “شديد التعقيد” بسبب العقبات القانونية والسياسية.
استبعاد إسرائيل: أزمة حقيقية أم استعراض سياسي؟
إثارة الجدل لم تتوقف عند الملف السوري، بل امتدت إلى غياب تل أبيب عن جدول زيارة ترامب، رغم أن زيارته كانت مقررة مسبقًا للتفاوض حول الإفراج عن المحتجز الأمريكي ألكسندر.
ورأى المكاحلة أن هذا الغياب قد يكون “مسرحية سياسية”، مؤكدًا أن العلاقة بين ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو متينة، وأن الخلافات بينهما سطحية.
ووفق مصادر أمريكية، فإن زيارة إسرائيل لن تحقق نتائج مهمة في الوقت الحالي، خاصة مع تصاعد العمليات العسكرية في غزة بعد انهيار الهدنة في 18 مارس 2025.
أبعاد استراتيجية وتوجهات مستقبلية
ركزت زيارة ترامب بشكل رئيسي على الأبعاد الاقتصادية والعسكرية، لكن ما تزال الرسائل الدبلوماسية طويلة الأمد غير واضحة.
وأكد المكاحلة أن الولايات المتحدة تسعى إلى استقرار طويل الأمد في المنطقة عبر مشاريع اقتصادية ضخمة. ومع ذلك، طُرحت تساؤلات حول تضارب محتمل للمصالح بسبب مشاريع عائلة ترامب العقارية في قطر ودبي، وهو ما نفته العائلة بشكل قاطع.
وخلال مشاركته في قمة مجلس التعاون الخليجي في الرياض، دعا ترامب إلى تجاوز “الصراعات القديمة”، مؤكدًا:
“التجارة وليس الفوضى، هي مستقبل المنطقة”.
كما تطرقت المحادثات إلى الملف الإيراني، حيث أبدى ترامب رغبته في اتفاق نووي جديد مع طهران، ودعا إلى “مسار جديد بعيدًا عن الصراع الدائم”.
ماذا بعد الجولة الخليجية؟
مع اختتام زيارته اليوم في أبوظبي، يُنتظر أن يعود ترامب إلى واشنطن محمّلًا بحزمة من الاتفاقيات التي تعزز الاقتصاد الأمريكي وتتماشى مع استراتيجيته “أمريكا أولًا”.
لكن تبقى أسئلة كثيرة عالقة، خاصة بشأن تداعيات هذه الزيارة على ملف غزة، والمفاوضات النووية مع إيران، ومستقبل العلاقات الأمريكية في المنطقة.