الإثنين, ديسمبر 1, 2025
الرئيسيةاقتصاد وأعمالخبراء: تحديث بيانات "الناتج المحلي" يمهد لرفع الجدارة الائتمانية للأردن

خبراء: تحديث بيانات “الناتج المحلي” يمهد لرفع الجدارة الائتمانية للأردن

أجمع مختصون ومراقبون للشأن الاقتصادي على أن الخطوة المتعلقة بمراجعة حسابات الناتج المحلي الإجمالي ستكشف عن مكامن قوة إضافية في الاقتصاد الوطني، مما يسهم في ترسيخ ثقة الهيئات الدولية بالأداء المالي للأردن، ويعزز احتمالية تحسين التصنيف الائتماني وتعديل النظرة المستقبلية للاقتصاد نحو الإيجابية.

وأوضحوا في حديثهم لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، أن هذه المراجعة لا تقتصر فوائدها على تقديم صورة أكثر دقة لحجم النشاط الاقتصادي في المملكة فحسب، بل تمتد لتسهم في تحسين موقع الأردن عند إجراء المقارنات مع الاقتصادات الإقليمية والعالمية، وهو معيار جوهري تعول عليه وكالات التصنيف الائتماني بشكل رئيسي عند تقييمها للدول.

وشدد الخبراء على أن عملية إعادة تقييم الناتج المحلي تتجاوز كونها إجراءً فنياً أو إحصائياً بحتاً، بل تعتبر أداة استراتيجية تهدف لإظهار الواقع الحقيقي للاقتصاد الوطني، وتحسين الصورة الائتمانية للمملكة أمام المجتمع الدولي، مما يعزز من قدرتها على جذب التمويلات والاستثمارات بشروط ميسرة وتكاليف أقل.

ولفتوا إلى أن هذا التحديث ستكون له انعكاسات إيجابية مباشرة على تقييم المخاطر السيادية والتصنيف الائتماني للأردن؛ حيث أن البيانات المنقحة تعمل على تقليص هوامش الخطأ الإحصائي وتعبر عن الحجم الفعلي للاقتصاد، مما يمكن المؤسسات المالية من بناء تحليلاتها استناداً إلى بيانات ذات موثوقية عالية تقيس الوزن الحقيقي للاقتصاد الوطني.

وفي سياق متصل، أعلنت وكالة “كابيتال إنتليجنس” للتصنيف الائتماني، قبل يومين، عن تثبيت تصنيف الأردن السيادي للعملات الأجنبية والمحلية طويلة الأجل عند درجة “BB-“، مع الحفاظ على التصنيف قصير الأجل عند مستوى “B”، بنظرة مستقبلية مستقرة.

وذكرت الوكالة أن هذا التصنيف يجسد قدرة الأردن على امتصاص الصدمات الخارجية، مدعوماً بمرونة الاقتصاد وتحسن أرصدة الاحتياطيات الأجنبية، مشيرة إلى أن استقرار النظرة المستقبلية يعبر عن ثقتها في استمرار المملكة بالحفاظ على التوازن المالي والاقتصادي في الفترة القادمة.

من جانبه، شدد ممثل القطاع المالي والمصرفي في غرفة تجارة الأردن، فراس سلطان، على أن إنجاز مراجعة حسابات الناتج المحلي وتحديث سنة الأساس يعد نقطة تحول محورية ستنعكس بشكل مباشر على تقييم المؤسسات العالمية للأردن.

وقال سلطان: “إن المراجعة التي رفعت قيمة الناتج المحلي الاجمالي بنحو 10 بالمئة تعطي صورة اكثر دقة وواقعية عن حجم الاقتصاد الوطني، الأمر الذي ينعكس على المؤشرات المالية التي تعتمد عليها وكالات التصنيف، وفي مقدمتها نسبة الدين الى الناتج المحلي الإجمالي والتي تتحسن مع ارتفاع قيمة الناتج”.

وأضاف موضحاً أن توفر بيانات شاملة ومحدثة تتماشى مع أفضل الممارسات الدولية من شأنه تعزيز ثقة المؤسسات العالمية بالمنهجية الإحصائية المتبعة في الأردن، ويضفي مزيداً من الاستقرار على التصنيف الائتماني، لا سيما أن هذه المؤسسات تضع وزناً كبيراً لجودة وشفافية البيانات عند إصدار تقييماتها.

كما نوه إلى أن توسيع قاعدة البيانات لتشمل أنشطة اقتصادية لم تكن مرصودة في السابق يعزز تلبية المتطلبات التي تعتمدها مؤسسات التصنيف لقياس متانة الاقتصاد وقدرته على تحمل الديون وجذب رؤوس الأموال، مما قد يسهم إيجاباً في تحسين النظرة المستقبلية لتصنيف المملكة.

وأكد سلطان أن تحسن المؤشرات الناجم عن هذه المراجعة يمنح الأردن أفضلية في الحصول على تمويلات بتكاليف منخفضة ويعزز ثقة الأسواق الدولية بالاقتصاد المحلي، مما يجعل عملية إعادة التقدير ركيزة أساسية لدعم المكانة الائتمانية للأردن عالمياً.

وفي ذات السياق، أوضح عضو مجلس إدارة جمعية رجال الأعمال الأردنيين، الدكتور بشار الزعبي، أن الإعلان عن نتائج المراجعة الشاملة للحسابات القومية يمثل خطوة هامة لترسيخ شفافية ودقة البيانات الاقتصادية، ويبرهن على التزام المملكة بالمعايير العالمية.

وأكد الزعبي أن إعادة تقدير الحسابات القومية وتعديل سنة الأساس لتصبح 2023 ساهما في زيادة قيمة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تقارب 10 بالمئة.

وبين أن هذه المراجعة ستدعم موقف الأردن في مفاوضاته مع الجهات المقرضة والمؤسسات الدولية، إذ تقدم صورة مالية أكثر دقة حول متانة الاقتصاد وقدرته على الوفاء بالالتزامات، ما يعزز فرص نيل تمويلات بشروط أفضل ويقوي المركز المالي للدولة.

وأشار الزعبي إلى أن المراجعة الجديدة توفر إطاراً أكثر شمولية وواقعية للتخطيط الاقتصادي، حيث تمكن الحكومة والقطاع الخاص من صياغة سياسات تستند إلى بيانات دقيقة تغطي قطاعات غير رسمية وأنشطة اقتصادية حديثة، مما يدعم جهود التنمية ويزيد فرص العمل.

وقال إن توقيت الإعلان عن الأرقام المعدلة يمنح المملكة دفعة إيجابية باستقطاب الاستثمارات وتعزيز الثقة الدولية بقدراتها الاقتصادية، داعياً مختلف الجهات للاستفادة من هذه البيانات في إعداد خطط تنموية واقعية.

بدوره، لفت مدير عام جمعية البنوك، الدكتور ماهر المحروق، إلى أن تحديث منهجية احتساب الناتج المحلي الإجمالي في الأردن بناءً على أحدث المعايير الدولية يعتبر خطوة جوهرية تؤثر بشكل مباشر على قوة وموثوقية المؤشرات الاقتصادية، مبيناً أن إعادة المراجعة ترفع من مستوى المقارنة مع الاقتصادات العالمية والإقليمية، وهو العنصر الذي تعتمد عليه وكالات التصنيف الائتماني بشكل كبير في تقييم الدول.

وبين المحروق أن وكالات التصنيف الدولية مثل “موديز” و”ستاندرد آند بورز” و”فيتش” تستند إلى مجموعة من المقارنات المعيارية التي تقيس وزن الاقتصاد، ومرونته وقدرته على توليد الدخل، وتوازن دينه العام نسبة إلى الناتج المحلي، وأن أي تحسين في تقدير حجم الناتج المحلي الإجمالي الذي يزداد عادة بعد تطبيق منهجيات الاحتساب الحديثة سينعكس مباشرة على عدد كبير من المؤشرات الرئيسة مثل: نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي ونسبة العجز ونصيب الفرد من الناتج وحجم الاقتصاد مقارنة بالدول النظيرة.

وأكد أن هذا سيجعل مؤشرات الدين العام ضمن مستويات أكثر استدامة وسيخفض نسب العجز للناتج ويزيد من حجم الاقتصاد ومن نصيب الفرد من الناتج وأن جميع هذه النتائج تعكس مؤشرات صحية وتدل على اقتصاد أكثر قوة ومتانة ومرونة.

وتابع قائلاً إنه مع اعتماد المنهجية الجديدة ستظهر جوانب القوة الاقتصادية التي لم تكن بارزة في السابق، ما يوفر صورة أكثر اتساقا مع الواقع ويعزز ثقة المؤسسات الدولية بالأداء الاقتصادي الأردني، ما سيسهم في تحسين تقييم الجدارة الائتمانية للدولة ويزيد من احتمالات رفع التصنيف أو تحسين النظرة المستقبلية.

من جهته، أشار أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأردنية، فؤاد كريشان، إلى أن أهمية الخطوة التي اتخذتها دائرة الإحصاءات العامة تكمن في مراجعة سنة الأساس من 2016 إلى 2023 وتوسيع نطاق تغطية القطاعات الاقتصادية كجزء من عملية “إعادة تقدير” تهدف لتحسين جودة بيانات الناتج المحلي الإجمالي.

وأكد أن هذه المراجعة استندت إلى منهجيات علمية شملت تحديث البيانات، وإعادة حساب وتقدير الأنشطة الاقتصادية غير المحسوبة سابقاً، فضلاً عن تضمين حسابات اقتصاد الظل، بما يعكس صورة أكثر شمولاً لطبيعة الاقتصاد الأردني وحجمه الحقيقي.

وقال كريشان: “من منظور اقتصادي تحليلي، الناتج المحلي الإجمالي لعام 2023 ارتفع بمقدار 3.6 مليار دينار، وهو ما يعادل زيادة 10 بالمئة عن التقديرات السابقة”، مبيناً أن هذه الزيادة تعكس تصحيحاً تقويمياً ناجماً عن تحسين أدوات القياس وشمول أنشطة لم تكن محسوبة سابقاً.

وأضاف: “إن الناتج الجديد يعكس تقديرا أقرب للحجم الحقيقي للاقتصاد الأردني، حيث تعد دقة القياس شرطا أساسيا لتحليل النمو، والإنتاجية وفعالية السياسات الاقتصادية العامة”.

وأوضح أن رفع تقدير الناتج يؤثر مباشرة في المقاييس النسبية المعتمدة دولياً، مثل نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي ونسبة العجز، مشيراً إلى أنه بما أن هذه النسب تعتمد في بنيتها على قيمة الناتج المحلي الإجمالي، فإن تحسين دقة القياس يؤدي إلى تحسين الصورة النسبية للاقتصاد الأردني.

وتوقع كريشان أن ينعكس التحديث إيجاباً على تقييم المخاطر السيادية وتصنيف الأردن الائتماني، كون البيانات المنقحة تقلل هامش الخطأ الإحصائي وتعكس الحجم الفعلي للاقتصاد، وتعزز من قدرة المؤسسات المالية على إجراء تحليل مستند إلى بيانات أكثر موثوقية وتقيس الحجم الفعلي للاقتصاد الوطني.

كما أوضح أن انسجام منهجيات حسابات الدخل القومي بين الدول يمكن من إجراء تقييمات أكثر دقة لمكانة الاقتصاد الأردني ضمن المؤشرات الإقليمية والعالمية، كما أن البيانات المحسنة تعد أساساً لتطوير سياسات اقتصادية تتسم بالكفاءة والدقة.

وأشار الدكتور كريشان إلى أن توفر قاعدة بيانات إحصائية مبنية على أسس قياس حديثة وموحدة يعزز مصداقية البيانات الوطنية ويعزز من قدرة الاقتصاد الوطني على الاندماج في مقارنات وتصنيفات دولية مبنية على أسس علمية ومعايير موحدة.

من ناحيته، قال الخبير الاقتصادي الدكتور غازي العساف، إن مراجعة الحسابات القومية وتحديث سنة الأساس ستنعكس إيجاباً على بعض المؤشرات المالية، وفي مقدمتها نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي التي ستنخفض تلقائياً نتيجة ارتفاع قيمة المقام دون أي تغير فعلي في حجم الدين أو أعباء خدمته، الأمر الذي قد يؤدي إلى تحسن ظاهري في الأرقام، خاصة للنسب المقبولة للدين العام ومؤشرات الاستدامة المالية.

وبين أن وكالات التصنيف العالمية تمتلك خبرة واسعة في التعامل مع مراجعات الحسابات القومية، وتولي في منهجياتها اهتماماً أكبر لمؤشرات اقتصادية جوهرية أخرى، من أبرزها: معدلات النمو الاقتصادي الحقيقي والقدرة الفعلية على خدمة الدين ومستويات الإيرادات الحكومية وكفاءة تحصيلها ومعدلات البطالة وغيرها.

ولفت العساف إلى أن تحسين أدوات القياس أمر مطلوب ومهم، والأهم اليوم هو أن تخدم مسألة رفع دقة القياس الإحصائي للمؤشرات الاقتصادية السياسات الاقتصادية ذاتها وتعزز من تأثيراتها المرجوة، ما سينعكس بالضرورة على التصنيفات الائتمانية للأردن في المدى الطويل.

وفي ختام الآراء، رحب الخبير بالشأن الاقتصادي منير دية بالمراجعة الشاملة للحسابات القومية والناتج المحلي الإجمالي، والتي نتج عنها ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 3.6 مليار دينار ليصل إلى 39.8 مليار دينار بنهاية عام 2023، وذلك بعد احتساب بعض الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية وإعادة تقييم للعديد من الأنشطة الاقتصادية الرئيسية.

وبين دية أن انخفاض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي سيعطي الاقتصاد الوطني مزيداً من الثقة أمام مؤسسات التصنيف الائتماني العالمية ويرفع من توقعات تحقيق الاقتصاد الأردني مزيداً من النمو الاقتصادي.

وقال إن هذا سيعطي زخماً إضافياً لمؤشرات الاقتصاد الوطني بعد الذي تم تحقيقه منذ بداية العام الحالي سواء كان من ارتفاع الصادرات وزيادة الدخل السياحي وتدفقات الاستثمارات الأجنبية وارتفاع الاحتياطات من العملات الأجنبية إلى مستويات قياسية وانخفاض معدلات البطالة واستقرار معدلات التضخم، كما ستعزز ثقة المستثمرين بالاقتصاد الوطني وتزيد من فرص جلب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتظهر مدى تعافي الاقتصاد الوطني وقدرته على النمو ما سينعكس إيجاباً على قدرة الحكومة على الاقتراض لاستبدال المديونية عالية الكلفة بمديونية ذات كلف أقل، خاصة مع انخفاض أسعار الفائدة مستقبلاً وكذلك زيادة ثقة الدول المانحة بقدرة الاقتصاد الوطني على الصمود وتحقيق أرقام إيجابية بالرغم من الظروف الإقليمية الصعبة والتحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي.

Omar Al-Zoubi
Omar Al-Zoubi
عمر الزعبي صحفي ومحلل أخبار، يتمتع بخبرة تزيد عن عشر سنوات في العمل مع مؤسسات إعلامية بارزة داخل الأردن وخارجه. يقدم تحليلات معمقة وتقارير ميدانية وصحافة استقصائية تغطي الأخبار الأردنية والأحداث العالمية في مختلف المجالات، مما يعزز مكانة jodaily.com.
مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة

احدث التعليقات